تدريجياً، تطبيقياً، يتضح المعنى الخطر لما يسمونه “مكافحة الارهاب” او الحرب على الارهاب، المطلوبة اميركياً من جميع الدول، التي تريد اثبات حسن السلوك.
اليمن يشن بعضها هجوماً على بعض، باسم مكافحة لاجئين من تنظيم القاعدة، وتمشي صنعاء في جنازات قتلاها فيما يصلي المخلصون كي لا يكون بداية حرب قبائل، او حرب بين القبائل والدولة. وإذا كان المحللون يقولون ان حقيقة الامر صراع على النفط، وتصفية حسابات قديمة، واحساس القبيلة المقصودة بالغبن لأن الدولة تأخذ نفط ارضها دون ان يصيبها من خيراته شيء، فان ذلك لا يغير من الأمر شيئاً، ولا يلغي أن اليمن المهددة بدعمها للارهاب وبذاكرة المدمرة كول، تريد أن تقدم براءة ذمة، ولا بأس أن يتحقق في الطريق هدف آخر. ولا ضمانة في الا يتحول الامر الى حرب اهلية، مرعبة في تلك البلاد “السعيدة” بخصبها، والقاسية بحيث عرفت ان تطعم الحرب الاهلية في ايام كماً من الارواح لم تستطع حصره الحرب الاهلية اللبنانية في سدس قرن.
الصومال بدورها، اغوتها تجربة تحالف الشمال، وانبرى رئيس الحكومة المركزية التي لا تكاد تحكم إلاّ مركزها، في الادعاء بتحالف مع الاميركيين لمحاربة “الارهابيين” خاصة، عله بذلك يحقق سيطرة على البلاد الموزعة على عدد مطرد من الفصائل والحكومات المحلية.
والنتيجة بلا شك حرب اهلية بمعنى أو بآخر، تقتل من تقتل، تشرد من تشرد، وتدمر من تدمر. غير ان اكثر ما يحرق اصابعنا وارواحنا بالطبع، هو خطورة افعى الحرب الاهلية الفلسطينية التي ستنفث نارها ان لم ينتصر العقلاء في جميع الفصائل، وإن لم تستطع قوة ما لجم مراكز القوى الفلسطينية المؤيدة للضغط على الرئيس عرفات للجم الانتفاضة، وقمع حماس والجهاد، واستئناف مسيرة السمسرة والاسترخاء المدفوع الثمن مع اسرائيل، بشارون او بسواه.
وغداً، من يدري أين ستتفجر الحروب الاهلية، فلكل ارهابيوه بالمنطق الاميركي، والمنطق الاسرائيلي الذي لم يعد يحاول حتى ان يختبئ وراء الاول، خاصة في موقفه المكشر عن انيابه ازاء العراق وازاء حزب الله في لبنان. وازاء سوريا لموقفها بكليته وخاصة جانبه المتعلق بهذا الاخير.
فهل ستستجيب الانظمة في شتى الدول، الى النداء الأميركي الاسرائيلي في تصفية كل من يعارض الهيمنة الاميركية او المخطط الصهيوني، او كل من يعيقهما؟
وهل ستجعل من هذه الاستجابة ايضاً، حجة لتصفية كل معارضيها الداخليين، طالما حجة الارهاب جاهزة؟
وفي الحالين، اين ستدفن جثة الديمقراطية التي طالما صدح بنشيده “العالم الحر” طالما ان المعادلة ستصبح: اما نظاماً يقمع معارضيه، طالما هم معارضو الثنائي الأميركي – الاسرائيلي، وأما نظاماً يرفض قمعهم فتقمعه قوة الثنائي مضافاً اليها تحالف غربي كامل.
وأما نظاماً يتجرأ هو فيعارض، فيرفع فوق رأسه سيف القمع والتصفية هو وناسه.