القنبلة الموقوتة ابدا!

الشرق الأوسط، 23-10-2001

لم يكن غريبا ان يحرك هذا الطرح المشوه المقصود لما يسمى بصراع الحضارات او الاديان، العواصف في العديد من الدول التي سبق ان عرفت المحن الطائفية، والتي ما يزال استهدافها لسبب او لاخر يهيؤها للمزيد.

وان تحمل لنا الانباء دخان النيران الآثمة في نيجيريا ثم محاولات اشعال نار جديدة في لبنان، فأمر ليس اول الغيث، وانما اول مطر الدخان الاسود الذي يهدد العالم ان لم يتنبه له.

فاذا كان الاقتتال النيجيري غير بعيد عن الحاجة الى زلزلة هذا البلد النفطي، في موازاة حرب هي قبل كل شيء حرب نفط بحر قزوين، وغاز اسيا الوسطى، كي لا تضطر الولايات المتحدة الامريكية ومن ورائها الدول الغربية ان تتحول من متبوع يربط بذيل تنورته العالم، ومنه العالم العربي النفطي، الى تابع لمنظمة الدول المصدرة للنفط وعلى رأسها دول التعاون الخليجي بقيادة العربية السعودية.

فان اعادة زرع الالغام في الهشيم اللبناني، ليست ببعيدة عن الحاجة الى زلزلة بلد المقاومة المنتصرة، ومن ورائه سوريا والموقف العربي كله.

واذا كانت هناك اعتبارات منها ما يتعلق بالعلاقة مع ايران، والحاجة لها في السياق النفطي ذاته، ومنها ما يتعلق بالحاجة الى عدم اشعال بركان النقمة في الشرق الاوسط في ذات الوقت الذي تشتعل فيه النار في افغانستان، فان اسرائيل لا تنسى اطلاقا ان في لبنان خللا يمكنها استغلاله لتفجير البلد من الداخل، والعودة به الى الرقص المجنون على جسد الوطن المدمى مقيدا الى الكراهية، مشلولا بالتجزئة، ولا يعدم الامر عملاء لبنانيين جاهزين لتنفيذ مخططات العدو، لان المرض المزمن لم يعالج لا بالاستئصال ولا بالجلسات الكيماوية، وانما اكتفى بجرعة عالية من المسكن.

ولنعترف ان ما من مخطط يمكن ان ينجح اذا لم تتوفر له الادوات الداخلية، واذا تمت مواجهته بالوعي والحزم.

صحيح ان اللبنانيين لم ينسوا حادثة الكنيسة التي ما تزال الجرم الرئيسي في احتجاز سمير جعجع ولكن بين هؤلاء اللبنانيين ايضا من لا تزال احقاده تعميه وبينهم الكثيرون ممن لم تفدهم سنوات الموت وعيا بل ان غيتوهات العزل التي فرضها رعب القتل على الهوية والقصف والقنص والدمار قد جعلت شريحة كبرى من شعب كان يوما مسيسا غائبة عن فهم اللعبة السياسية بابعادها الاقليمية والدولية وجاء سوء الاحوال المعيشية ليضيف الى قفص العزل قفص الانشغال بالشأن المعيشي اليومي، محولا الانسان المحتجز داخله قصير النظر، حتى عن المخاطر التي يمكن ان يسير اليها بقدميه.

كذلك بين هؤلاء ايضا عملاء خرجوا من طاقة نهاية الحرب او من طاقة التحرير في الجنوب ليعودوا من بوابات كثيرة عبر العالم، الى مواقع في لبنان، يستطيعون اذا دخلوها ان يستمروا في الخيانة والتخريب.

جيد ان لبنان الحكم يبدو في هذه المرحلة اكثر منه وعيا في اية فترة مضت، ومثله اكثر القيادات الدينية، وليس تصريح رئيس الجمهورية بخصوص الاعتداء على مسجد البترون – هي بلدتي الاصلية – وعلى الكنائس الاخرى الا دليلا على هذا الوعي.

لكن ثمة امرين لا بد من طرحهما بوضوح وصراحة:

الاول ان على هذا الحكم، كي يكون اكثر حصانة لنفسه وللبلد، ان يتمكن من التواصل اكثر مع الناس لاشراكهم في التوعية والحرص والحذر تواصلا لا يتحقق الا بمحاربة الفساد الاداري ومصارحة الناس بكل ظروف الحالة الاقتصادية، واشعارهم بمشاركة اوسع واعمق.

والثاني يسحب على الوجود السوري ما يسحبه على الحكم ويضيف اليه عنصرا لا بد من مواجهته، وهو انك لا تستطيع ان تبني بلدا على التوازن الطائفي، ثم تقضي وقتك كبائع الصيدلية في معالجة هذا التوازن، ثم تجد الوقت والجهد لمعالجة ازمات وجودية وادارة شؤون بلاد وعباد.

كما انك لا تستطيع ان تبني اجيالا على عقلية انعزالية ثم تعود فتحاول اقناعها بان تتقبل من تعلمت انه اخر، وكأنه الذات نفسها.. خاصة عندما يتصرف هذا الطرف نفسه كآخر.

انها مسألة اسس، ومفاهيم وقيم، قبل ان تكون اي شيء اخر.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون