من اين يبدأ الرهان؟
الرهان على الذات، ام الرهان على الاخر؟
الرهان على الذات وحدها، انغلاق، والرهان على الاخر وحده عجز وهرب.
اما الرهان الصحيح، فهو ذاك الذي يبدأ من الذات ويركز عليها، ثم يتجه الى الاخر بناء على معرفة دقيقة، معرفة لهذا الاخر، ومعرفة لما نريده منه او لديه، وما نريده ليس فقط فيما هو قائم وانما ايضا ما نسعى الى اقامته.
باراك، ام شارون ام بيريز؟ كلينتون ام بوش؟
شيراك ام جوسبان؟
الخ..
رهانات تقودنا الى المفاضلة بين مجزرة صبرا وشاتيلا، ومجزرة قانا، بين عملية فردان وعملية تونس، بين حرب حزيران وحرب لبنان.
ألم نكن مضحكين، مبكين عندما كنا نفرح لفوز حزب العمل في الانتخابات الاسرائيلية، وكأن لليميني بيغن فضلا في اقامة اسرائيل اكثر من اليساري بن غوريون! او كأن تكسير عظام اطفال الانتفاضة الاولى لم يأت بأمر »تقدمي عمالي«!
وفي الجوهر اكثر، كأن ما بني من مستوطنات في عهود العمال لم يكن اكثر بكثير مما بني في عهد الليكود.
الا يبدو مسؤول فلسطيني مثيرا للشفقة وهو يقول من على شاشة ابو ظبي: »لن نترك شارون يصل الى الحكم« وذلك ردا على سؤال حول ما اذا كان الهدف من مفاوضات الماراثون، انقاذ باراك؟
ثم، الا يبدو حالنا كلنا مثيرا للشفقة ونحن نحتفل بفوز طاقم حرب الخليج كاملا، وكأنها عودة صلاح الدين؟
ليس ذلك كله لاننا ضعفاء فقط، بل، وبصراحة لاننا – وقياداتنا خاصة – اخر من يعرف لعبة السياسة الخارجية.
قبل ايام كان الديبلوماسي الكبير كلوفيس مقصود يؤشر من خلال تجربته الى هذه الاعاقة العربية مركزا علي مسألتين:
الاولى هي ازدواجية الخطاب العربي ازاء الاجنبي، ازدواجية تتمثل في ظاهرتين: الاولى هي اختلاف الخطاب المعلن عن الخطاب الذي يقال في الجلسات الثنائية مع المسؤولين الاميركيين، والثانية هي تناقض خطاب هذا المسؤول مع خطاب ذاك، وتناقضهما احيانا مع الموقف المعلن.
والثانية هي مسألة التعاطي مع ما يمكن ان يشكل قوة اساسية داعمة لنا، او لاسرائيل، والمقصود بذلك الجمعيات اليهودية، المشكلة للوبي اليهودي، والجالية العربية التي ما تزال مشرذمة ولا تشكل قوة ضغط تذكر. وهنا القى الدكتور مقصود الضوء على سلوك طالما لاحظناه في الغرب، وسبق وان كتبت عنه في هذه الزاوية، وهو تمسح العربي باذيال اللوبي اليهودي استجداء لنفوذه.
واذا كنت قد كتبت عن ذلك بخصوص المهاجر العادي الذي يسعى بذل الى التقرب من يهودي، لاستجداء نفوذه، فان الدكتور مقصود نقل ذلك الى مستوى المسؤولين العرب انفسهم حيث قال انهم في زياراتهم للولايات المتحدة لا يسعون الى تنظيم لقاءات مع الجالية العربية لحشدها وتنظيم قواها، كما يفعل الاسرائيليون بل يسعون الى لقاء مجالس المنظمات اليهودية واسترضائها.
واذا كان في اعتياد المواطن العربي على التمسح بصاحب المال والنفوذ في بلاده وخدمته ليتمكن من الوصول الى مصالحه، وفي كون الهجرة تضيف الى هذا الاعتياد احساسا اعمق بالضعف والتسول.. فأي تفسير يمكن ان نجده لسلوك المسؤولين السياسيين ذاك؟!
اية سياسة خارجية هي تلك التي تجعلك تمنح بتسولك رضى عدوك، قوة اكبر لهذا العدو، تجعله اقدر على ضرب مصالحك، بل وضرب مؤيديك الحقيقيين؟!
سياسة، تجعل، حتى من الجاليات العربية الكبيرة وصاحبة المقدرات قوة مهدورة ضائعة، على مثال بلدانها.