قمة الدول الصناعية تهرب من الدم. الدم يلطخ رؤساء الدول الصناعية. الفقراء، وانصار الخصوصية واعداء الامبريالية الامريكية، يزعجون الجالسين على عرش العالم، يعكرون مناقشاتهم فيقرر هؤلاء الكبار..
الهروب بمؤتمرهم القادم الى مدينة نائية في كندا، لا تتسع فنادقها الا لثلاثمئة نزيل.
ويصرخون بوجه الصحافيين: من شاء منكم المجيء الى هناك فليحمل فراشه معه.. ومن يمكنه النوم في الشوارع بدون فراش؟؟ هذا لم يخطر ببالهم بعد.. لكنهم على طريقة جميع الاثرياء قرروا الغاء ديون بعض الدول الاكثر فقرا. تماما كما تفعل السيدة الثرية مع الخادمة وحارس العمارة وربما السائق.. وتتوقع منهم ان يقبلوا يدها، ويجزلوا لها الدعاء. افلم تجزل العطاء.
واما بالنسبة لنا نحن بؤساء الارض، التي معظمها مقدس او يحتضن مقدسات، فقد قرر الرؤساء »من حيث المبدأ« تأييد ارسال مراقبين الى فلسطين، ولكن »شرط ان يوافق طرفا النزاع« وبما ان هذا الارسال هو مطلب فلسطيني ملح، فان العبارة تعني: »شرط ان توافق اسرائيل«.
واسرائيل، لن توافق بنصها الاخر شرط ان يكون المراقبون سي آي ايه: والسي بالاسبانية تعني نعم، ومثله (ايه) بالعربية العامية، حيث الـ(اي) صرخة الم.
الم يفرض على الفلسطينين كي يصرخوا نعم بالعربية الفصحى، او يس بالانجليزية الفصحى ذات اللكنة الامريكية.
لان موافقة طرفي النزاع هنا، هي شرط اشبه بموافقة كولن باول على تقرير ميتشل شرط ان يحدد شارون موعد بدء اسبوع التهدئة.
انه دوران افعواني للالتفاف على الحد الادنى من موقف يفرضه العقل والمنطق، لكنه في الوقت ذاته دوران حائر يعبر عن ازمة جلاد يكاد يستنفد قواه، ولم يستسلم اسيره المدمى، وشاهد لم يدع قطنا الا ووضعه في اذنيه ولكن عبثا فالصرخة تخترق.
اوليس من الغريب ان يصرخ الجميع بان الدم لطخ القمة، لان قتيلا سقط في شوارع جنوى، ولا يصرخ احد بان دمنا يلطخ جميع القمم، من عواصم المتوسط الشرقي الى الغربي، فالى العالم كله؟
افلا يكفي دم رضيع الخليل وحده لصبغ جميع القمم ومن على القمم وعلى سفوحها بدم ذي نقاء خاص؟
دم لابد من حقن الكثيرين من العرب به لان مستوى فقر الدم يرتفع مع ارتفاع مستوى مواقع المسؤولية، تلك المواقع التي تؤهل اصحابها، بما تحت ايديهم من طاقات، وما في ايديهم من مصالح، للضغط على العالم، وخاصة على الدول الصناعية التي تحتاج العرب نفطا وسوقا لاستهلاك كل شيء، بما فيه السلاح الذي لا يستعمل..
الم تدل احصائية صدرت هذا العام على ان دول الخليج العربي تشتري 33% من مبيعات الاسلحة الفرنسية.. مثلا؟
وربما كانت قيمة ما نشتريه من العطور اعلى.. من.. ومن.. لكن شيئا واحدا لا يشترى.. الدم بل اننا عندما اشتريناه مرة وردنا ملوثا*.
اشارة الى فضيحة الدم الملوث الذي باعته فرنسا لتونس باشراف لوران فابيوس، الذي اخطر للاستقالة والابتعاد عن المسرح خمس سنوات.. ليعود وزيرا للمالية.