الثمن العراقي!

العراق، 09-08-2001

لكأننا نعود الى اجواء التسعينات، وان بحجم مختلف، مختلف اختلاف حجم الضربة بالتناسب مع حجم القوة.

فهذه العودة الى »الشيطنة« اي الى اخفاء ملامح الشيطان على الهدف المقصود تبريرا لضربة لاحقة، هي عودة الى خطاب امتلاك العراق لقوة »تهدد جيرانه«، وتتطلب بالتالي تدخلاً من »الملاك الحارس« الاميركي، الذي تجاوز منذ امد طويل حاجته الى غطاء الامم المتحدة والتحالف الدولي.

وليس هذا اللفظ الاعلامي عن »الساعات المقبلة« او »الايام المقبلة« الا من باب الحرب النفسية الاعلامية. خاصة وانه يأتي متوازيا للحديث عن الخطة الاسرائيلية لاجتياح مناطق السلطة الفلسطينية. في الوقت نفسه الذي تنفذ فيه الاغتيالات ضد من ادرجت اسماؤهم على قوائم المطلوب اعتقالهم،.. والا… تصفيتهم.

بينما تتخلل ذلك رسائل من مثل تلك التي يوجهها مسؤول اسرائيلي لعرفات، مخاطبا اياه: لن نمسك، سنضمن سلامتك كي تقود شعبك الى السلام. او تلك الموجهة لمروان البرغوثي: كنا نعرف سيارتك جيدا، ولم نصب سيارة مرافقك صدفة.

رسائل لا تعلن هكذا من باب الصدفة ايضا. فهي من جهة محاولة واضحة لدق اسافين بين القيادات ورفاقها قادة وشعبا. وهي من جهة اخرى انذار يشترط للسلامة قبول السلام، السلام الاسرائيلي طبعا.

رسائل، بقدر ما تبدو في ظاهرها معبرة عن منطق قوة وغطرسة، بقدر ما تحمل من ملامح ازمة حقيقية عميقة يعيشها الكيان الصهيوني بليكوده وعمله وكل فئاته.

فالقوي فعلا هو الذي يضرب دون ان يهدد، بل وهو يصطنع الضعف ايضا. وما الاكثار من التهديد الا دليل امرين: اما عدم الاقتدار، واما الاقتدار مع ادراك ان النتائج لن تكون في صالح المعتدي.

جميع المحللين الذين تناولوا شخصية كولن باول، توقفوا طويلا عند عقدة فيتنام، التي لا يستطيع الجنرال ان يتخلص من سيطرتها عليه ملازما، ولا شك في ان اي مسؤول عسكري اسرائيلي شارك في اجتياح لبنان يعيش العقدة ذاتها.

واذا كان بالامكان تجنب النموذجين في حرب جوية تشن ضد العراق، من بعيد، فلن يكون بالامكان اطلاقاً تجنبها في الحالة الفلسطينية، حيث لا بد ان نذكر ان احتلال جزء من جنوب لبنان دام عقوداً قبل الاجتياح، دون ان يتزحزح، ولم تنفجر المقاومة الحقيقية الا مع هذا الاخير، لتوصل العدو الى هزيمة اولى، كابر معها عقداً الى ان انصاع للانسحاب.

هذا الدرس لا يمكن ان ينساه الاسرائيليون، عسكريين وسياسيين. كما لا يمكن لهم ان يستمروا الى ما لا نهاية في عمليات القمع التي اعادتهم من مرحلة الدولة، التي لم يكادوا يبلغونها، الى مرحلة عصابات الهاغانا والشتيرن، كما لا يمكن لهم ايضا ان يتراجعوا امام الاقتحامية الفلسطينية التي تزداد فعلا وتزيدهم احراجاً.

هنا يكمن مأزقهم، حيث لا تودي بهم المداخل والسبل الا الى جدار مسدود.

واذا كان من المؤكد ايضا ان الفلسطينيين يعانون بالمقابل، معاناة لا يمكن لعاقل انكارها، فان امامهم واقعين مختلفين.. الاول انم وصلوا وللمرة الاولى الى خوض حرب تحرير واستقلال حقيقية، في حين اعادوا عدوهم خمسين سنة الى الوراء، ليخوض حرب استقلاله من جديد.

والثاني، انها مسألة عض اصابع متبادل، كلا طرفيه موجوع، لكن الوجع الفلسطيني منطقي وطبيعي ومتوقع، كما في كل حروب التحرير التي شهدها التاريخ الانساني.. في حين ان الوجع الاسرائيلي يبلبل وجود الكيان كله.

هذه الوقائع يدركها المخططون الاسرائيليون جيدا، وهي هي التي تدفع بعضهم الى خيار شارون، واكثرهم الى خيار بيريز.

وفي حال الخيار الثاني يبرز السؤال: اذا بدا ان فتح الصمام من الجهة الفلسطينية، باجتياح مناطق السلطة، غير مجد، بل وخطير. فهل سيكون قبول اسرائيل بالمراقبين الدوليين، غطاءا لفتحه من الجانب الآخر بهجوم اميركي خاطف على العراق؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون