اقليات!!

صحيفة الدستور، 25-11-2001

غريب كيف يلوك بعض المثقفين والسياسيين مصطلحات يتلبسونها في عملية غسل دماغ منهجية ومدروسة.

فالمعروف في علم النفس ان تكرار مصطلح خاطىء، يؤدي بمن اعتادوا الببغائية ونقص التنبه الواعي، الى اعتماده، لفظيا، في البداية، ومن ثم مضمونيا، وحقوقيا في عمليه انزلاق تدريجي.

هؤلاء الببغائيون، وما اكثرهم، وما المع اسماء الكثيرين منهم، بدأوا باستعمال مصطلح الاقليات، تعبيرا عن الطوائف المسيحية العربية دون وعي لما في هذا من خطورة تتمثل اولا في الاقرار بتجزئة الشعب الواحد على اساس طائفي، وتتمثل ثانيا في مضمون يوحي وكأن هؤلاء، بكونهم اقلية، مغبونون ، وفي خطر، مما يستدعي بالتالي الحاجة الى حماية خارجية، وبالتالي اذن، التبعية الكاملة لهذه الجهة الحامية.

هذا المنطق هو الذي دخلت به الدول الاوروبية جسر الرجل المريض لتنتزع اتفاقيات الامتيازات الاجنبية »الاقتصادية بالدرجة الاولى« عام ،1840 ولكنها استمرت بمنطقها، لترسخ التجزئة بعد سايكس بيكو، وداخل كل رقعة من رفعها اللعينة، مما تولدت عنه ويلات لا نجهلها، من احداها، ميل من يتعامل مع وجوده كأقلية الى الهجرة، او بالاحرى تقبلها بشكل اسهل.

وعبثا صاح المخلصون، بان الانتماء الحقيقي هو للوطن، للارض، والحقوق فيه هي حق المواطن ايا يكن جنسه اوعرقه او دينه، وبالتالي فالواجب هو هو واليوم يطل عليها مصطلح »الاقلية« بحلة جديدة، ومرمى جديد اشد خطورة وذاك عند الحديث عن الفلسطينيين الذين ما يزالون على ارض الـ 48 .

فأن يستعمل الغرب واسرائيل هذا المصطلح، لشيء عادي، لان فيه تثبيتا لحقوقية »الدولة« ولديمقراطيتها التي تقبل بـ »اقلية« عربية. كما ان فيه تثبيتا لمقولة ان هذه الارض كانت خالية الا من عدد قليل من السكان، وجاء اليهود فعمروها، وسمحوا لهؤلاء بالبقاء. كما ان فيه الغاء كاملا لانتمائهم، على اعتبار انهم طائفة او اتنية صغيرة داخل دولة اسرائيل، وبالتالي يكون اي تحرك لهم تعاملا مع الخارج، وخروجا على القانون وربما خيانة. اضافة الى ما يعكسه ذلك على موضوع حق العودة للاخرين.

لذلك، فالاحرى بأي متحدث عربي، اعلاميا كان ام سياسيا، ان يستعمل مصطلح »السكان الاصليين« او »من تبقى من الفلسطينيين على ارضه« او »اهل فلسطين« وان ينتبه الى خطورة مصطلح »الاقلية« فيما يتعلق بخطط الترانسفير المعدة لهؤلاء الباقين.

هذه الملاحظات اثارها الحوار الذي ادارته قبل يومين الفضائية السورية مع الدكتور عزمي بشارة، وكان يحاوره فيه اضافة الى المذيع، شخصان احدهما الاستاذ جمال باروث، الذي لم يكن مصطلح »الاقلية العربية« هو المأخذ الوحيد على خطابه، بل طابع عام يكرر ببغائية عددا من المصطلحات والطروحات التي يظن انها تصب في صالح الضيف والقضية، في حين انها لا تشكل الا منزلقات خطرة.. خطرة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون