لن يكون هناك لبناني واحد مستعد لأن يشكل »تحالف شمال« ضد حزب الله، فقد تعلمنا من التجربة المرة، ولن نكرر، هذا ما قاله احد النواب اللبنانيين الذين يمثلون لقاء قرنة شهوان.
قد يبدو من المفرح ان يكون اللبنانيون الذين دفعوا ثمن حرب اهلية قاسية، قد تعلموا منها، وان يكون الجزء الذي ارتبط يوما باسرائيل، فقادته الى الهلاك، وقابلته بالتخلي الذي كان آخر فصوله تخليها عن العملاء المباشرين المعلنين في جنوب لبنان، قد اعتبر ورمى الى الأبد ورقة العدو الذي يظل عدوا حتى وهو يعقد تحالفا ليوظف الدم اللبناني، لتحقيق اهدافه فقد قال شيمون بيريز في كتاب »حوار طويل« مع روبرت ليتل: »قلنا للقوات اللبنانية، ولبشير الجميل وداني شمعون بأننا لن نقاتل عنكم، عليكم ان تخوضوا معركتكم بشبابكم«.
وخاض هؤلاء المعركة خمس قرن، وهلك آلاف الشباب من الجهتين ليكون لبنان وحده هو الخاسر، الخاسر، ليس فقط لانه خسر ابناءه ومن دفن منهم في تابوت او من دفن في كفن، او من ساوتهم الانقاض فيما لم تساوهم الطوائف، بل لأنه خسر البوصلة، وذاك هو الاخطر.
فالبلد الذي كان يتجه بوضوح نحو اضعاف الطائفية والفئوية لصالح الانتماءات الحزبية والجبهوية السياسية، عاد الى المستنقع الطائفي كما لم يكن قبل قرن. والحرب التي بدأت بين »القوات المشتركة« التي تجمع الاحزاب اليسارية والتقدمية والقومية والمقاومة الفلسطينية من جهة، والقوى الطائفية الانعزالية من جهة اخرى، تحولت الى حرب طوائف في كلتا الجهتين، قضت على المشروع النهضوي القومي والتقدمي بشكل شبه كامل، واخرجت المقاومة من خط التماس الى غرف الفيلات، من فلل تونس الى فيلا نائية في اوسلو.
والبلد الذي كان يعيش بحبوحة اقتصادية، لا تترك فيه فقيرا بالمعنى الحقيقي، اودت به الحرب الى ازمة خانقة لم يعرفها حتى خلال الحرب. والبلد الذي كان يشكل البؤرة المشعة للثقافة العربية، لا بمثقفيه اللبنانيين فحسب، وانما لاستقطابه ابرز الطاقات الثقافية العربية، من كل ارجاء الامة، وادماجها واطلاقها في سياق حركة حية، فاعلة وحرة، اصبح البلد الذي تطغى فيه ثقافة »يا ليل يا عين« على صوت دار الآداب.
بؤرة الاشعاع الوحيدة التي اخترقت هذا البلد المعتم، كانت المقاومة الوطنية والاسلامية، بحيث استطاع تحرير الجنوب، ان يعيد للبنان لا ارضه وسيادته فحسب، وانما اعتباره، وامتيازه.. فاذا بيروت التي كانت اول عاصمة عربية تحتلها اسرائيل، هي اول عاصمة عربية تتمكن من الاحتفال بانسحاب الفكاك منه، وانما لأن في صدورهم احقادا وفي رؤوسهم جهل وعدم وعي، وفي نفوسهم رخص، يدفع الى ذلك.
ومن هنا فان الدفاع، بالمطلق وانكار وجود هؤلاء هو من باب ترك النار تمتد تحت الهشيم، سواء عن حسن او عن سوء نية.
كذلك فان الدعوة الى ان »يجتمع اللبنانيون جميعا، وبمفردهم« للبحث في حل ينقذ حزب الله ولبنان، هي من باب التغابي، او جر الرجل الى النار او الى الهاوية، فكيف سيحمى لبنان ومقاومته ان فكا ارتباطهما ببعدهما القومي والاسلامي وبشكل خاص بسوريا وايران؟
ام انها دعوة لاسترضاء منفرد لارييل شارون؟