قد يكون من المنطق ان الذين ينتجون هم الذين يحكمون، وهذا ما يشكل قاعدة للعلاقات الانسانية من اصغر دوائرها الى اكبرها.
لذلك فان المفكر العربي، الدكتور محمد جابر الانصاري، يرى ان سببا اساسيا من اسباب التخلف العربي، هو انقلاب هذه القاعدة بحيث ان الذين يحكمون في العالم العربي هم الذين لا ينتجون، وذلك في اطار تحليله التاريخي لعلاقة الحضارة بالبداوة.
لكننا اذا ما نقلنا تطبيق القاعدة الى الاطار الدولي المعاصر، وجدناه واقعا، باستثناء واحد هو النفط…
ففي حين يفترض بمنتج النفط العربي ان يحكم، او ان تكون له حصة في حكم السياسة الدولية، نجد ان ثروته لم تكن الا سببا لاجتلاب الاطماع فيه، والهيمنة عليه ومصادره حريته… لغياب القوة التي تحمي الانتاج والثروة والسيادة.. لغياب الارادة.. او لغايب الوعي؟؟
ربما للعناصر الثلاثة معا، بدليل ان العراق الذي حاول ان يمتلكها، منذ قرار التأميم وحتى بداية التسعينات، وجد نفسه هدفا لاشرس مؤامرة، واعنف رد رادع مدمر، بحيث اعتبر جان بيير شفينمان وزير الدفاع الفرنسي، المستقيل بسبب حرب الخليج ان تشكيك الادارة العراقية بمدى تصميم بريطانيا وفرنسا على خوض الحرب الى جانب الولايات المتحدة، خلال ازمة الخليج، كان يعني ان هذه الادارة لا تدرك مدى الاحقاد التي تركها تأميم النفط.
احقاد لا تدخل في باب العاطفي والانفعالي، وانما تنتمي بقوة الى دائرة المصلحي والامبريالي، ونظرة الشمال الى الجنوب والغرب الى الشرق بما في ذلك غرب المتوسط الى شرقه.
لكن الحرب وما تلاها من استكمال تدميري متواصل، اديا الى تدمير اشياء كثيرة، الى وضع اليد الاميركية على اشياء كثيرة، بما فيها نفط الخليج، والسيادة العربية، والقضية الفلسطينية… وقفتا امام نفط العراق، فظل خارج بساط الهيمنة، وكان الحصار وسيلة لحصره في احشاء ارضه.
من هنا، تحاول بغداد، وهي تنجح في التململ المتنامي، الذي يمزق الغطاء الثقيل، مرة من هنا ومرة من هناك، ان تعود الى سلاحها المخزون، طالما انه ليس مفاعلا استوردته من باريس، لينسق الفرنسيون مع اسرائيل عملية تدميره (كما كشفت مذكرات ميتران نفسه) وليس طائرات وصواريخ ومحطات تملك الولايات المتحدة ذريعة تفرض على مجلس الامن تفجيرها..
لا يونسكوم للتفتيش عن النفط، ولا خبراء قادرون على تدميره.. والعراق الذي اجبر على تدمير سلاحه العسكري، مصمم على ما يبدو على العودة من الباب الاقتصادي بدليلين متقاربين زمنيا:
الاول، التحول في التوجه الوحدوي، من اعتماد المعايير العاطفية والتراثية المعتادة، الى البدء من التنسيق والتكامل الاقتصادي كما اتضح في دعوة طارق عزيز قبل اسابيع، لاقطار الهلال الخصيب.
دون ان ان يعني تغيير المنطلق او التأسيس التنفيذي تغييرا في الاسس النظرية الوجودية.
والثاني هو لجوؤه الى تحريك سلاح النفط لحلحلة مسألة السيادة كما نرى هذه الايام.
ولعل في قراءة نجاح التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، ما يؤشر الى مدى قدرة الاقتصاد، إن احسن توظيفه على الانتقام للسياسة وللحرب.
لكن اللعب بالنفط هو لعب بالنار قد يدفىء ويفيد، وقد يحرق آخر مرادا حرقه، وقد يحرق الاصابع.. والمهارة ان نصل الى الدفء دون ان نحترق…