“سياسة جديدة، صلبة، وصالحة للاستمرار”.
هكذا يصف هيوبرت فدرين السياسة الخارجية الفرنسية، والاوروبية الجديدة، التي يدعو الى ما يسميه »اعادة بنائها«، اعادة يفخر انه يساهم في ارسائها منذ عام 1990.
واذا كان احد الاسس التي يطالب باعتماها، هو معيار النتائج، لا الادعاءات، فان موقفين صدرا عن فرنسا خلال هذا الاسبوع يدفعان المراقب الى اعادة قراءة مقال فدرين المنشور هذا الشهر، وقراءة السياسة الفرنسية بتدقيق اكثر، للوصول الى التساؤل، حول ما يعنينا وما ينعكس علينا من ذلك.
الرئيس شيراك يدعو الولايات المتحدة الى الخروج من لعبة القطب الواحد، مما يعني الاعتراف بدور الاخرين، و هؤلاء هم القطب الاوروبي والقطب الاسيوي.
وفيدرين، يعيد تفسير موقفه الرافض للتوقيع على البيان الختامي لمؤتمر فرصوفيا الذي عقد في حزيران الفائت بدعوة من واشنطن، للبحث في دفع التحولات الديمقراطية، يعيد التفسير بالقول:
»رفضت لانني لا استطيع القبول، بان يقام، بحجة التطلعات الديمقراطية، تحالف مقدس بين الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة ديمقراطية وتختارها وفق معايير مرفوضة، حيث تتلقى منها تعليمات التصويت في الامم المتحدة«، شيراك يطالب بدور اوسع لاوروبا »وفرنسا« وفيدرين يكتب:
»ليس من سبب واحد يدفعنا لان نقف مكتوفي الايدي، ونترك لغيرنا ان يرسم مستقبل العالم«.
القوة المؤثرة في الامم المتحدة، التحالف المقدس، ومستقبل العالم..
كلها امور نحن في لبها وصميمها. ولأن الامر كذلك، نرانا ندعم هذا التوجه بالمطالبة بدور اوروبي في موضوع فلسطين، وفي موضوع العراق.
هنا تلتقي مصلحتنا في اقامة توازن ما، مع مصلحة اوروبا، وفرنسا تحديدا في العودة الى مجالها الحيوي المتوسطي العربي، الافريقي.
وهنا تجد المصلحة المشتركة اساسا لها في ارضية مشتركة، من البيوغرافيا التاريخية، ومن الجيوغرافيا الطبيعية والسياسية والاقتصادية، ومن القيم المتقاربة المشتركة نتيجة للعاملين السابقين.
فيما يذكر عنه تعبيران مهمان: احدهما لشارل ديغول عندما تحدث عن اشتراك حضارات المتوسط في الفيتها التاريخية، وقيمها الانسانية، مقابل حداثة النعمة الامريكية، وفجاجة حضارة تقوم على قيمة المنفعة.
والثاني لصدام حسين، اورده جان بيير شفينمان في كتابه »فكرة معينة« حيث ذكر انه عندما زار بغداد رسميا، انتحى به الرئيس العراقي جانبا وقال: عندما نتحدث اليكم هكذا فنحن نثق انكم تفهموننا لأنكم مثلنا اصحاب حضارة الفية، تقوم على قيم انسانية، وذاك ما يفتقر اليه الاميركيون.
ولكن:
اهل الحضارة الالفية الصغرى، وقفوا جميعا وراء اصحاب قيمة المنفعة، ليدمروا الحضارة الالفية الكبرى ـ الام.
وبعد عشر سنوات ها هو فيديرين يركز على وجوب عدم رمي دروس التاريخ والجغرافيا في مزبلة التاريخ، وعلى قضية عدم الاختباء وراء حجة الديمقراطية للتسلط على الشعوب، ويوضح بجرأة قضية كون الديمقراطية صيرورة شاملة، ومشروعا ناميا لا وضعا يفرض، وتحولا يحصل كالقهوة السريعة الذوبان، بل ان الوزير ينتقد صراحة سياسة العقوبات، ونتائجها اللاأخلاقية.
في الوقت ذاته يصدر الموقف الاخر: »رفض فرنسا بيع اسلحة لاسرائيل«، موقف رمزي بسبب نوعية الاسلحة، ولكنه ذو اهمية ودلالة.
دلالة اهم ما فيها انها تؤشر الى وجود وتجه، تيار، خيار، قديم جديد، دلالة يتوقف على التقاطنا لها، وذكاء العمل على تفعيلها ودعمها، نمو هذا التيار وفاعليته، خاصة وانه يواجه عائقين:
1 ـ الخط الاوروبي المتأمرك، او المرتبط بالولايات المتحدة سواء تمثل في دول ام في احزاب ام في افراد مؤثرين.
2 ـ اللوبي اليهودي الضاغط، عبر السياسة »خاصة الاحزاب الاشتراكية«، الاقتصاد، الثقافة والاعلام.