جيد ما يبدو ان القائمين على الانتفاضة قد تنبهوا له بشكل واضح، حيث اعلنت اذاعة فلسطين هذا اليوم عن تشكيل لجان اعلامية، تهتم بالاعلام في دوائره المتلاحقة. وذاك ما كان قد اشار اليه الدكتور مصطفى البرغوثي في شومان، عند حديثه تحديدا عن خطورة الاعلام الخارجي.
فعندما قال شيمون بيريز لصحيفة معاريف »لقد خسرنا الحرب لاننا خسرنا الاعلام« لم يكن كلام هذا الستراتيجي الرؤيوي الخطير، يعني الاقرار والاستسلام، وانما دق جرس الانذار، والدعوة الى التخطيط لشن هجوم مضاد، لا تكمن عدته في اسرائيل وانما في اللوبيهات اليهودية المسيطرة على وسائل الاعلام العالمية.
المتابع، لاحظ وبسرعة، بوادر هذا الهجوم، فوسائل الاعلام التي كانت منذ البدء مؤيدة لاسرائيل فعّلت لعبتها النفسية. لنرى التايمز تصدر مثلا بغلاف مقسوم الى نصفين، صورتين، المدمرة الاميركية في عدن، والجندي الاسرائيلي المقذوف من الشباك: ايحاء خبيث: ففوق الضحية هي الولايات المتحدة، وتحت الضحية اسرائيل، والارهابيون القتلة هم العرب، العدو المشترك..
ولنر مثالا اخر: لوبوان، التي اصدرت عددا يستحق التحية لموضوعيته وانصافه، تعود الى اصدار عدد لاحق بعنوان: العرب اللاسامية واسرائيل.
عدد لا يبدو منه الانحياز لاسرائيل عن رضى، وانما الانحناء للعاصفة قسرا، حيث يحاول ان يمرر بعض الامور المؤثرة.
ولنر كاتبا كان قد نشر مقالا ايجابيا، يعود ليقول: اذا كان جعل الاطفال حاجزا واقيا عملا لا انسانيا، فان اطلاق النار عليهم عمل لا انساني ايضا.
ولنجد مدير القناة الاولى في التلفزيون الفرنسي يدافع عن نشر محطته لصورة محمد الدرة، بالقول انه نشر ايضا صورة الجنديين المقتولين، ومبررا بان مئة رسالة وردته من المشاهدين كان ستون منها مؤيدا للفلسطينيين.
هنا.. نصل الى العقدة..
الرأي العام..
وتغيير موقفه صعب، اذا ما بني هذا التغيير على انباء ما يحدث في فلسطين، لان ذر الرماد في العيون شبه مستحيل.
اذن..
فالحل هو استنفار السلاح التقليدي المألوف، عقدة ذنب الحرب العالمية الثانية، ولا تكفي لذلك المقالات وعروض الكتب، والتقارير التي تنشر بالابيض والاسود »في مجلة ملونة« حول اعتقال اليهود، وابادتهم. بل يتوصل اللوبي الصهيوني الى انتزاع قرار خطير، ومثير للدهشة وهو بث التلفزيون الفرنسي لوقائع محاكمة كلوس باربي، التي حصلت عام 1987 حول تهمة اضطهاد اليهود ايام حكومة فيشي.
نقول مثير للدهشة لان الاعلام الفرنسي نفسه، قد قال انها المرة الاولى التي يصار فيها الى تسجيل جلسة محاكمة تصويرا تلفزيونيا.
وحتى، لو حصل، فان القانون يحظر نشر هذه الافلام – الوثائق، قبل مضي ثلاثين سنة عليها. ولكن قناة »تاريخ« باشرت اجراء قضائيا طويلا، وقدمت طلبا الى وزارتي الثقافة والعدل، وطلبا اخر الى رئيس محكمة باريس، وبفعل ضغوط هائلة توصلت اخيرا الى الحصول على الموافقة على بث 70 ساعة من المحاكمة من تاريخ 29 اكتوبر الى 3 ديسمبر القادم.. في عملية غسل دماغ مذهلة للوقاية من اية صحوة او اي موقف ازاء ما يحدث.