“لا يمكن لامبراطورية ان تتأمل طويلا في فراغ حولها، دون ان تتملكها صورة موتها”.
هذا ما يقوله الباحث السياسي جان كلود روفين في كتابه »الامبراطورية الجديدة والبرابرة الجدد«.
وفكرة الموت هذه، هي ما يسمى بخوف النهاية الذي اعتبره المفكر نعوم شومسكي المرض العميق الذي ينتشر في السيكولوجية الجمعية الاميركية وبتجليات مختلفة، ففي الوقت الذي يدفع فيه هذا المجتمع للتثاؤب استرخاء وافتقارا للحوافز، تندفع قيادته بهوس الى الصراعات الخارجية، حتى ولو اقتضى الامر اختلاقها، في محاولة، واعية او غير واعية لتصدير الازمة.
واذا كانت القوة العسكرية الهائلة، تؤمن نجاح هذه المهمة على المدى القصير، فان الاستمرار في اللعبة يؤدي الى حالة عالمية من الحقد والكراهية قد يصح ان يطلق عليها تسمية »الحقد الطبقي الدولي« او بالاحرى »حقد المقهور« الذي يتفاقم عندما يكون المقموع »ابن عراقة واصل وسيادة« والقامع »حديث النعمة« عدته الثروة والقوة.
وذلك ما التقطه هنتنغتون عندما قال خلال ازمة كوسوفو: »ان الولايات المتحدة تلعب بالنار، فقد باتت معظم دول العالم تعتبرها الدولة العظمى الاكثر عدوانية، واية نظرية واقعية للعلاقات الدولية تقودنا الى ان ذلك سيؤدي الى نشوء تحالفات جديدة، توازن القوة المستفزة.
لكن الخطر الخارجي، المتمثل في نشوء ظروف تحول دون امكانية الاستمرار في التمكن من تصدير الازمة، وبالتالي ارتداد عوامل التأزيم الى الداخل ومن ثم تفجرها، قد يبدو ابعد من واقع تفاعل هذه العوامل على الساحة الداخلية بشكل قد يتجاوز صمام الأمان المتمثل في التصدير.
بمعنى ان التدمير الذاتي للنسيج الاميركي من داخل قد يكون اخطر على الولايات المتحدة من التحجيم، كي لا نقول التدمير – من خارج.
وقد يكون التحجيم ادق علميا من التدمير، لان روما انتهت كامبراطورية، لا تنتهي من الوجود بل لتعود ايطاليا، ومثلها بريطانيا وفرنسا، ومؤخرا الاتحاد السوفييتي.
غير ان تحجيم الولايات المتحدة – السيدة المطلقة حاليا – قد يكون اخطر لاسباب اولها التكون الذي لا يمتلك استكمال شرطه الزمني، مما ينتج عنه قصور في حالة الانصهار الوطني، يعوضه حاليا رابط المنفعة، والتفوق في مجالات القوة.
وثانيها ان المسيطر الرئيسي على السياسة والاقتصاد، وحتى المجتمع، هو اما شركات بعلاقة لا ترتبط الا باستثماراتها واما لوبيات سياسية، اهمها اللوبي اليهودي، تقدم مصالحها ككتل على المصلحة الاميركية بل اللوبي اليهودي الذي بلغ ذروة تسلطه الكامل على البلاد مع الحكم الحالي، ولم يعد امامه الا ايصال رئيس يهودي واضح، هو كتلة تقدم مصلحة اسرائيل على مصلحة اميركا، بل وتسخر الثانية للأولى.
فاذا كان الهدف الصهيوني التأسيسي لا يقتصر على اقامة دولة اسرائيل، بل ويتعدى الى التوصل لحكم العالم انطلاقا منها، فان حكم الولايات المتحدة، هو طريق مضمون لحكم العالم. دون ان يعني ذلك التوقف عن العمل على التوصل الى السيطرة على كل دولة في العالم، على طريقة الولايات المتحدة.
وبهذا يفسر الاستشراس الاستثنائي في ادارة نتائج المعركة الرئاسية الاميركية. انه التحدي، الذي لن يألو اليهود جهدا للانتصار فيه، والذي قد تكون نتيجته »بداية النهاية« للولايات المتحدة… ولكن.. لصالح من؟؟