لعل اهم مفهوم طرح خلال القمة وحولها فيما يتعلق بدعم فلسطينيي الداخل، هو مكافحة تبعيتهم المعيشية لاسرائيل.
فكيف يراد لك ان تكتمل قدرة على مقاومة من يمسك بلقمتك ووسيلة عيش اولادك؟
اولم يكن اكثر المظاهر ايلاما، وتجسيدا للاستعباد والذل، هو قيام العمال العرب ببناء المستوطنات الاسرائيلية؟
فمنذ بداية الصراع، واقفال بوابة استخدام العمالة العربية لبناء »دولة اسرائيل« مطلب اساسي، لانه وببساطة رد على هدف تقوم عليه سياسة اسرائىل في المنطقة »العمالة العربية، المواد الخام العربية، رأس المال العربي، ورب العمل، المستثمر الاسرائىلي«.
واذا بالسلام الاعمى عن كل خطط اسرائيل ومصالحنا، يقلب هذا المطلب الوجودي رأسا على عقب، ليصبح فتح البوابات الاسرائيلية امام العمالة الفلسطينية، مطلبا تثار حوله المعارك الديبلوماسية والسياسية »سنرجوكم، وسنضغط عليكم كي تسمحوا لنا بخدمتكم.. كي تسمحوا لنا بصناعة النير الذي تضعونه فوق رقابنا«.
واذا بتهويد اسرائىل الكبرى، بواسطة الاقتصاد بدلا من الحرب، يحقق اول بنوده المتعلقة بالعمالة، ويزحف بقوة لتحقيق الثاني المتعلق بالرساميل.. وكلنا يعرف المؤامرات والمطالب التي تستهدف رأس المال الخليجي.
وكلنا يعرف الزحف الاخر المتدفق باتجاه السوق، فثمة نهر محصور وراء سد وفتحت له المنافذ.
رد المتخاذلين، جاهز.. ولا حول ولا… من اين يعيش المواطن الفلسطيني المسكين اذا لم يعمل في اسرائيل.
لكن، لماذا لم تنشىء له سلطته »الوطنية« مصانع، تشكل بداية حل؟
اولم يكن مصنع للنسيج او للمواد الغذائية افضل من كازينو اريحا؟
افضلية يضاف الى بعدها الاقتصادي بعد اخر خطير بحجم المسافة التي تفصل بين عقلية الاستهلاك وقيمه الفاسدة المدمرة وعقلية الانتاج وقيمه النقيضة؟
كما ينفذ بعدها الاقتصادي الى البند الاخر في الخطة الاسرائيلية: السوق.
اما القول، بعدم وجود رأس المال فهراء منافق، وليس من يجهل الرساميل التي تتسرب الى الجيوب التي اصابها الورم فضرب ارادة ورؤوس اصحابها، وبات »السلام« ايا يكن مطر ذله، واستعباده للحاضر والمستقبل مكسبا شخصيا غاليا لا يمكن الا الدفاع عنه كما هو.
كما انه ليس من يجهل ايضا المبالغ التي تنفق على اجهزة لا تشكل الا اداة قمع، ولا تبني عناصرها الا على الانتماء الى مصدر الرزق والتسلط.. حتى ولو سقطت في سبيل ذلك الانتماءات والاخلاقيات الحقيقية.
ولكن،
حتى المال..
ها هو يأتي بقيمة كبيرة، وكأنه عملية غسل للضمائر، تبييض لها ازاء فلسطين وامتها.
فكيف سيوظف؟
الى اين سيذهب؟
حرام ان يذهب قرش واحد منه – باستثناء حاجات الجرحى – الا الى تأسيس فعالية انتاجية: انتاجية صناعية او زراعية بالدرجة الاولى، تتقدم في هذين المجالين، حتى على الانتاجية الانسانية المتمثلة في التعليم والثقافة وان لم تلغها.