“لقد اصبحت وسائل الاعلام اقوى من الجيوش. وبامكان هذه الحروب الاعلامية ان تغير موقف العالم منا”.
هذا ما قاله قبل ايام قليلة شيمون بيريز لصحيفة معاريف الاسرائيلية.
ونقلته في عددها الاخير، مجلة لوبوان الفرنسية.
هؤلاء الذين كانوا يسخرون جميع وسائل الاعلام العالمية، لتسويق طروحاتهم وادعاءاتهم وتشويه صورتنا، لدرجة جعلت شارل ديغول يشكو عام 1967 قائلاً “في فرنسا لوبي يهودي موالٍ لاسرائيل يمارس نفوذه في كل المجالات خاصة في وسائل الاعلام”.
هؤلاء يخافون اليوم من وسائل الاعلام، فبرغم كل ما فعلوه، طوال قرن أو اكثر للسيطرة على وسائل الاعلام (هتلر نفسه كان يشكو من سيطرتهم هذه، في الثلاثينات) نجدهم اليوم اعجز من ان يسيطروا عليها كلها، خاصة مع ثورة الفضائيات التلفزيونية.
ولكن، حتى في الاعلام المكتوب، نجد اصواتاً تتمرد على قلب الحقائق وتشويهها، وتنتصر للحقيقة، صورة، تحقيقاً، مقالاً، تحليلاً… نجد مجلة مثل لوبوان، تجسد في عددها الاخير، ضمير فرنسا الحقيقي، ضمير الصحافة الحقيقي، وضمير الانسانية الحقيقي.
لم تفعل شيئاً إلا انها قدمت حقيقة ما يحصل، من الغلاف الى الداخل، ومن الصورة الى الكلمة.. حقيقة الواقع، كما هو.. واجب الصحافة البديهي! ولكن هل اعتدنا نحن العرب، على اصوات كثيرة تقف منا موقفاً موضوعياً صادقاً؟ وهل تحتاج قضيتنا ومجريات ما يحدث لنا لأكثر من الحد الادنى من الموضوعية والصدق؟
الغلاف، شاب صغير شبه عارٍ يقذف حجراً (لكنه متوثب وينظر الى الاعلى والافق) وصوره الموضوع الرئيسي في الداخل، مصفحة اسرائيلية ضخمة تصوب مدافعها من فوق رابية من روابي القدس الى بيت لحم.
موضوع ثان عن رام الله، وصورتان: شاب صغير يقذف حجراً ويطير وراءه مرتفعاً عن الارض، وجندي اسرائيلي يختبئ وراء متراس ويصوب نيران بندقيته الى مجموعة من الصبية المدنيين.
وتعليق جميل يقول ان الذين كانوا صبية في الانتفاضة الشهيرة السابقة يعجبون اليوم من تفوق صبية الانتفاضة الحالية، شجاعة وتضحية.
أما مضمون الموضوعين، فرائع في موضوعيته ورصده للواقع.
مثله المقال الذي لخصناه في زاوية الصحافة العالمية ليوم امس عن صحيفة الاوبزرفر، والذي لا يمكن لاحدنا، نحن الكتاب العرب ان يكتب افضل منه. بل ان تأثيره الاعلامي يفوق مئة مقال نكتبه نحن، لأنه يصل الى شرائح، لا تعرف عنا إلاّ الصورة المشوهة.
غير ان المهم هنا ان ندرك امرين هامين:
الاول، ان هذه المواقف الموضوعية ليست سمة الاعلام العالمي كله، فمقابل لوبوان مثلاً، نجد الاكسبرس تخصص موضوعاً لاضطهاد يهود المانيا في الحرب العالمية الثانية.
وآخر لقبر يوسف، ونجد مطبوعات أخرى أكثر انحيازاً تقدم الفلسطيني كمعتد والاسرائيلي كضحية.
والثاني، مرتبط بالاول، وهو انه مما لا شك فيه ان الاعلام الموضوعي او المتعاطف مع العرب سيلقى حملة شرسة معلنة وخفية، سواء أكان مؤسسات أم افراداً (كتاباً وصحفيين) وكلنا يعرف تجارب مؤسسات افلست، وانتقلت الى يد اللوبيهات اليهودية، ونعرف اعلاميين فصلوا من عملهم او تعرضوا لضغوط اجبرتهم اما على الخرس وإما على التحول.
وهنا نصل الى نتيجة اساسية وهامة: اين هو دورنا نحن، كعرب، وكفلسطينيين، في دعم من يقف الى جانبنا، ويقدم صورة موضوعية لا نحتاج لأكثر منها.
ألا يمكننا ان نلعب دوراً مشابهاً لما يلعبه اليهود في استقطاب، ودعم، وتمتين التواصل والصداقة مع هؤلاء، واتخاذ مواقف مقابلة معكوسة من أولئك؟
وإذا كنا لا نعوّل كثيراً على الحكومات والمؤسسات الرسمية في الاضطلاع بهذا الدور، فلتتصد له المؤسسات الاعلامية نفسها، خاصة اتحاد الصحفيين العرب، الذي سنشهد بعد فترة وجيزة انعقاد دورته في عمان.
وليكن هذا مقترحاً، او ورقة، دراسة تقدمها نقابة الصحفيين الاردنيين، كمبادرة تصب في سياق خطها القومي الاعلامي الواعي، ومواقفها التي نعتز بها في الجسم الاعلامي.