بين الكلام والقول

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 02-10-2000

ليست هذه الامة قطا طحنته عجلات سيارة..

وليس الموت الا غطاء هشا رغم ثقله الرهيب، لا تفتأ النار تثقبه مندلعة مشرئبة، مرة من هنا، ومرة من هناك..

لكن الكلام كرة مرة تتضخم داخل الحلق..

الكلام، وليس القول..

فأولئك قالوا، ويقولون فعلا ودوما، وتماسا جهنميا يكشط جلد الكلام عن لحم الحقيقة.. فاذا شرايينها والحديد دون عازل..

والاخرون.. قالوا كلاما، ارقاه باهت وفارغ.. لانه مجرد كلم..

يكفيك ان تجلس الى التلفزيون فتقشعر، وتخجل من رفع عينيك الى مستوى الصورة، وتستفز »بضم التاء« وتنتابك حمى المضحك العلقم اذا ما جاء الكلام.. كلام السياسيين، وكلام الاعلاميين..

الم يكن من الافضل لامين عام الجامعة العربية، ان ينزع يافطتها، ويحل محلها اخرى تحمل اسم وكالة انباء او مراسل اخباري مثلا، قبل ان يقول ان مؤسسته عبرت عن فداحة ما يجري؟

الم يكن لمن دب الصوت والنفير، باكثر الالفاظ اشتعالا، داعيا الى خطوة كبرى في مستوى الحدث والمسؤولية، واذ الفأرة المولودة في الشهر السابع، اقتراح باستدعاء السفير الاسرائيلي لابلاغه الاحتجاج؟

حتى الخطباء، المفوهون الذين ارادوا الحديث عن رد حقيقي، كمثل مظاهرات شباب الاسكندرية، بدوا تافهين ومثيرين للسخط، كذلك الذي قال من على شاشة الجزيرة، ان طالبا من الذين ساروا في المظاهرة »10 آلاف« حدث رفاقه عن ابيه الشهيد فأبكاهم..

اية بلاهة سياسية؟

ألم يكفنا بكاء؟

وهل في هذا الصعود الطوفاني الى جلجلة الفداء، مكان للبكاء، الا على العاجزين المشلولين؟

وحده، كان له الحق في ان يتكلم، لانه قال.. حسن نصر الله، قال بدماء ابنه الشهيد، وقال بقيادته الفذة لحركة فعل..

ومثل هؤلاء الفاعلين كان رفاقه يتحدون، ويستشهدون ويجرحون، والاعلام العربي، الناطق بلسان سياسييه يرفع قبة »الحيادية« المنشّاة ويتحدث عن »جيش لبنان الجنوبي« لا عن »الميليشيات العميلة«، ويصدر نشرته، بانه »ردا على صواريخ حزب الله على شمالي اسرائيل، قام الجيش الاسرائيلي باغراق لبنان في الموت والقحط والظلام«.

كذلك يخشى الناطقون انفسهم اليوم على »عملية السلام« لا على الخمسمئة جريح ومن يمكن ان يتحول منهم الى قتيل.. ولا على الاساس الاهم على الارض والحقوق، التي اذا كان الحرم القدسي رمزها، فانه ليس اطلاقا اختزالها.

فلهؤلاء الذين يموتون مواجهة في الداخل، شق من ملايين، مطلوب موتهم الوطني نفيا، لا عودة منه في الخارج.

وتراب الحرم والقيامة والقدس، مقدس مثله مثل تراب كل قطعة انتزعت من فلاحة زرعت فيها روحها، لتقام عليها مستوطنة.. كما ان خشب الصليب، الذي تبرك بفتاته الملايين عبر العصور لا يختلف في قداسته عن خشب البنادق، او العصي او حتى الحمّالات.. كلها ادوات – سلاح في المواجهة الوجودية الحضارية الواقعية بين هذه الامة واليهود..

مواجهة، ننسى في صقيع الذل الذي اغرقنا فيه الكلام المنفصل عن الفعل بل عن القول، ان عمرها لم يتجاوز بعد عمر رجل فرد..

مفارقة، انني كنت انوي تخصيص مقال هذا اليوم للذكرى الاولى، لمناضل قديس، ادين له، كما كثيرون، بايصال تيار الوعي، ويقظة العقل والروح هو جورج عبد المسيح.

وعندما حاولت ان اعود الى سيرته النضالية المذهلة، انتبهت الى انه بدأ مسيرته النضالية المذهلة تلميذا لانطون سعادة عام 1932.

ثمانية وسبعون سنة نضال رجل فرد..

فكيف يقاس اذن نضال شعب وامة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون