كتائبي قومي

صحيفة الدستور، 04-09-2000

مذهل .. كان الحوار الذي اداره تلفزيون المستقبل مع الوزيرجوزيف الهاشم ..

مذهل حتى لنا نحن ابناء الحالة السياسية اللبنانية ، الذين كنا في صميم احداث الحرب الاهلية المرة ، وتناقضاتها القذرة ، وخلفياتها الخبيثة .

مذهل في كم الوقائع الحقيقية ، التي كنا نعرف بعضها ، او سياقها العام ، لكن احدا لم يكن يملك قدرة الجلوس امامها ساعة ونصفا او ساعتين ، وهي تصفعه باليمين لتتلقفه بصفعة اليسرى ..

كنا نقول ان الحرب مسرحية تراجيدية مجرمة ، من نوع المصارعة حتى الموت ، مع البشر او بين بشر وحيوان مفترس ، في حلبة الامبراطور .

كنا نقول ان الحرب فصل آخر ، من فصول تفتيت قدرات هذه الامة على مواجهة اسرائيل ، بالقضاء على قوتين اساسيتين فيه : القوى اللبنانية ، والمقاومة الفلسطينية .

كنانقول -ما قاله لي وليد جنبلاط يوما- من ان امراء الحرب ليسوا الا دمى متحركة خيوطها ممتدة الى ايد خارج الوطن … ولذلك فهم يتدربون معا على المشهد وراء الكواليس ، ويتصافحون بعد ادائه ، واذا وقع احدهم خلاله ، اسعفه الآخر .

كنا … وكنا … نعرف بعض التفاصيل العملية ولكننا نجهل الكثير .

مفاجآت كثيرة صفعت الكثيرين منا بالبراهين بعد سنوات : كتاب »يوميات الاليزيه في عهد ميتران« ، وغرائب التواطؤ يوما يوما .. وغرائب الرسائل المتبادلة … كتاب كريم بقرادوني … روايات ايلي حبيقة .. روايات الكثيرين من شهود العيان ..

من الذي اخرج كميل شمعون من السعديات عندما اقتربت القوات المشتركة ؟ ، وكيف كان يأتي سرا الى الفاكهاني لاجتماع »قمة« .. لقاءات وليد جنبلاط وداني شمعون في احد فنادق عمان ، بينما الجبل يشتعل نارا ودمارا وتهجيرا …

قصص .. وقصص ..

لكنها لم ترق يوما الى ما كشف عنه جوزيف الهاشم : القيادي الكتائبي الاول في فترة ما ، الشوفي ، المفاوض العتيد مع السوريين :باسم القوات اللبنانية ، باسم رئيس الجمهورية ، باسم الكتائب .. الخ .. ومن ثم المستقيل الهارب من الاشرفية ليحتمي (كما كشف في حديثه) في بيت وليد جنبلاط .. علاقاته الحميمة بأبو جهاد ، بأكثر من طرف لدى كل الاطراف .. خاصة بالسوريين ..

اية شبكة عنكبوت مذهلة كانت تمتد وراء تهجيرنا ودمارنا .. وراء موتنا .

غير ان اهم ما يذهل في حديث جوزيف الهاشم هو اعترافه بأن :

– الحرب اللبنانية . لم تكن الا الحلقة الثانية في مسلسل تفكيك القدرات المواجهة لاسرائيل (بعد احداث الاردن) ، وذلك على طريق تدمير قدرات المواجهة في دول الطوق ، لترسيخ الهزيمة ، وقبول العرب بالاستسلام .

وفي هذا السياق تحدث باسهاب عن العلاقات بين الكتائب والقوات اللبنانية واسرائيل ، واعترف بأن هذه الاخيرة سحبت دعمها ، في المرحلة الاخيرة من الحرب ، مما جعل مختلف قوى هذه الجبهة ، ترجوه للتوصل مع سوريا الى حل يضع حدا للمعارك (بعد ان انقطعت عنها حتى الاسلحة) .

وهذا ما يذكر بثلاث اشارات :

اولا : ان هذا القول يلتقي تماما مع ما قاله شيمون بيريز في كتابه »حوار طويل« ، حول هذه المرحلة ، حيث انتهى الى القول : »قلنا للمسيحيين الموارنة ، ان عليكم ان تحسموا حربكم ، ونحن لن نحارب عنكم « .

ثانيا : ان هذا الموقف منطقي ، بعد ان حققت الحرب اهدافها بالنسبة لأسرائيل ، فلماذا تستمر في الدعم والتورط .. وهل صدق الموارنة ان قلبها متفطر عليهم ؟ .

ثالثا : ان هذا الموقف يتطابق تماما مع موقفها من الميليشيات العميلة في جنوب لبنان : »رمي الورقة بعد استعمالها « .

غير ان آخر الذهول يأتي من اعتراف رئيس حزب الكتائب سابقا ، من انه قرر بعد هربه من الاشرفية ان يعيد قراءة الاحزاب الاخرى ووجد نفسه يقتنع بانطون سعادة وعلى الاخص في نقطتين رئيسيتين :

– رؤيته الجوهرية للصراع مع اسرائيل وللخطر اليهودي .

– ورؤيته لسوريا الكبرى .

هل يمكن ان نصدق ؟

لقد فصل الهاشم اسباب اقتناعه ودعا الى خطوات عملية ، بين الدول الخمس التي تشكل سوريا سعادة ، قائلا انه اذا لم تكن الوحدة ممكنة فلنبدأ من الاقتصاد ، على الطريقة الاوروبية .

اهو درس الحرب ؟

ام مناورة سياسية ؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون