مذهل .. كان الحوار الذي اداره تلفزيون المستقبل مع الوزيرجوزيف الهاشم ..
مذهل حتى لنا نحن ابناء الحالة السياسية اللبنانية ، الذين كنا في صميم احداث الحرب الاهلية المرة ، وتناقضاتها القذرة ، وخلفياتها الخبيثة .
مذهل في كم الوقائع الحقيقية ، التي كنا نعرف بعضها ، او سياقها العام ، لكن احدا لم يكن يملك قدرة الجلوس امامها ساعة ونصفا او ساعتين ، وهي تصفعه باليمين لتتلقفه بصفعة اليسرى ..
كنا نقول ان الحرب مسرحية تراجيدية مجرمة ، من نوع المصارعة حتى الموت ، مع البشر او بين بشر وحيوان مفترس ، في حلبة الامبراطور .
كنا نقول ان الحرب فصل آخر ، من فصول تفتيت قدرات هذه الامة على مواجهة اسرائيل ، بالقضاء على قوتين اساسيتين فيه : القوى اللبنانية ، والمقاومة الفلسطينية .
كنانقول -ما قاله لي وليد جنبلاط يوما- من ان امراء الحرب ليسوا الا دمى متحركة خيوطها ممتدة الى ايد خارج الوطن … ولذلك فهم يتدربون معا على المشهد وراء الكواليس ، ويتصافحون بعد ادائه ، واذا وقع احدهم خلاله ، اسعفه الآخر .
كنا … وكنا … نعرف بعض التفاصيل العملية ولكننا نجهل الكثير .
مفاجآت كثيرة صفعت الكثيرين منا بالبراهين بعد سنوات : كتاب »يوميات الاليزيه في عهد ميتران« ، وغرائب التواطؤ يوما يوما .. وغرائب الرسائل المتبادلة … كتاب كريم بقرادوني … روايات ايلي حبيقة .. روايات الكثيرين من شهود العيان ..
من الذي اخرج كميل شمعون من السعديات عندما اقتربت القوات المشتركة ؟ ، وكيف كان يأتي سرا الى الفاكهاني لاجتماع »قمة« .. لقاءات وليد جنبلاط وداني شمعون في احد فنادق عمان ، بينما الجبل يشتعل نارا ودمارا وتهجيرا …
قصص .. وقصص ..
لكنها لم ترق يوما الى ما كشف عنه جوزيف الهاشم : القيادي الكتائبي الاول في فترة ما ، الشوفي ، المفاوض العتيد مع السوريين :باسم القوات اللبنانية ، باسم رئيس الجمهورية ، باسم الكتائب .. الخ .. ومن ثم المستقيل الهارب من الاشرفية ليحتمي (كما كشف في حديثه) في بيت وليد جنبلاط .. علاقاته الحميمة بأبو جهاد ، بأكثر من طرف لدى كل الاطراف .. خاصة بالسوريين ..
اية شبكة عنكبوت مذهلة كانت تمتد وراء تهجيرنا ودمارنا .. وراء موتنا .
غير ان اهم ما يذهل في حديث جوزيف الهاشم هو اعترافه بأن :
– الحرب اللبنانية . لم تكن الا الحلقة الثانية في مسلسل تفكيك القدرات المواجهة لاسرائيل (بعد احداث الاردن) ، وذلك على طريق تدمير قدرات المواجهة في دول الطوق ، لترسيخ الهزيمة ، وقبول العرب بالاستسلام .
وفي هذا السياق تحدث باسهاب عن العلاقات بين الكتائب والقوات اللبنانية واسرائيل ، واعترف بأن هذه الاخيرة سحبت دعمها ، في المرحلة الاخيرة من الحرب ، مما جعل مختلف قوى هذه الجبهة ، ترجوه للتوصل مع سوريا الى حل يضع حدا للمعارك (بعد ان انقطعت عنها حتى الاسلحة) .
وهذا ما يذكر بثلاث اشارات :
اولا : ان هذا القول يلتقي تماما مع ما قاله شيمون بيريز في كتابه »حوار طويل« ، حول هذه المرحلة ، حيث انتهى الى القول : »قلنا للمسيحيين الموارنة ، ان عليكم ان تحسموا حربكم ، ونحن لن نحارب عنكم « .
ثانيا : ان هذا الموقف منطقي ، بعد ان حققت الحرب اهدافها بالنسبة لأسرائيل ، فلماذا تستمر في الدعم والتورط .. وهل صدق الموارنة ان قلبها متفطر عليهم ؟ .
ثالثا : ان هذا الموقف يتطابق تماما مع موقفها من الميليشيات العميلة في جنوب لبنان : »رمي الورقة بعد استعمالها « .
غير ان آخر الذهول يأتي من اعتراف رئيس حزب الكتائب سابقا ، من انه قرر بعد هربه من الاشرفية ان يعيد قراءة الاحزاب الاخرى ووجد نفسه يقتنع بانطون سعادة وعلى الاخص في نقطتين رئيسيتين :
– رؤيته الجوهرية للصراع مع اسرائيل وللخطر اليهودي .
– ورؤيته لسوريا الكبرى .
هل يمكن ان نصدق ؟
لقد فصل الهاشم اسباب اقتناعه ودعا الى خطوات عملية ، بين الدول الخمس التي تشكل سوريا سعادة ، قائلا انه اذا لم تكن الوحدة ممكنة فلنبدأ من الاقتصاد ، على الطريقة الاوروبية .
اهو درس الحرب ؟
ام مناورة سياسية ؟