فنكلشتاين

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 20-09-2000

لم يكن البروفسور فنكلشتاين اول من كتب عن استغلال الهولوكوست لتحقيق مكاسب للوبيهات اليهودية العالمية، للصهيونية ولاسرائيل.

لكن الضجة العالمية والعربية التي اثيرت حول كتابه، تبدو خاصة ومثيرة للتساؤل.

»مع تسجيل ملاحظة، انه ايا يكن مضمون هذه التساؤلات، فان الفضائح التي كشف عنها الكتاب، تظل بالغة الاهمية«.

التساؤلات تتعلق اولا بموقف فنكلشتاين من حركة المراجعة التاريخية، المعروفة سواء في فرنسا او في بريطانيا، او المانيا او حتى الولايات المتحدة، حيث يتميز هذا الموقف بما يلي:

ـ هجوم فنكلشتاين، بردة فعل بادية الحقد والانزعاج على رموز هذه الحركة، كما لاحظنا على شاشة الجزيرة، وهو يتهم غارودي وايرفنغ بالسطحية وعدم الجدية، وعدم الاهمية.. مع اعترافه بان كل نتاجه في هذا المجال كتابه هذا الذي لا يتجاوز مئة وستين صفحة، بينما لكل من هؤلاء »خاصة ايرفنغ« عشرات الكتب، وسنوات التخصص الطويلة في هذا المجال.

ولا شك في انه كان سيتخذ ذات الموقف لو ذكر البروفسور جورج اشلي اول من بدأ المراجعة في الولايات المتحدة، ليتعرض لعدة اعتداءات، وتهديد معلن من رابطة الدفاع اليهودية: »اذا لم توقفه الجامعة عن ابحاثه فسنعرف نحن كيف نوقفه« او شارل ويبر او رينهارت بوشنر او ارنست زندل او ريتشارد هارود صاحب كتاب: »هل صحيح ان ستة ملايين قد ماتوا؟« الذي دمرت مطبعة سوسكس التي طبعته وناشره ارنست نول.

كذلك سيكون موقفه من مؤسسة الابحاث التاريخية (I.H.R) التي كانت تملك اضخم مكتبة وثائق في العالم تتعلق بموضوع الهولوكوست والحرب العالمية الثانية، والتي دمرت بانفجار اعلنت منظمة يهودية امريكية مسؤوليتها عنه »بعد عدة اعتداءات«.

كذلك، يهاجم فنكلشتاين، بالاضافة الى غارودي، آباء المدرسة المراجعة في فرنسا، من راسينيه الى فوريسون »اهم المؤرخين المراجعين من حيث العمل البحثي«.

السبب في كل ذلك اساسي، وهو ان فنكلشتاين لا يتعرض فقط للأسس التي تقوم عليها اسطورة الهولوكوست التي تحولت الى ديانة غربية، بل انه يستشرس في تأكيد هذه الاسس التي تتلخص في ثلاث:

ـ العدد

ـ اداة الجريمة

ـ خصوصية الجريمة

واذا كانت هذه البنود تبدو مجرد قضايا شكلية في نظر البعض، فان من يعرف البعد الحقيقي للقضية يعرف انها ليست كذلك ابدا.

فالعدد، الذي يصر فنكلشتاين على انه بين خمسة وستة ملايين، هو اولا اساس تضخيم حجم الجريمة، وهو ثانيا اساس التعويضات، وهو ثالثا »وهنا الاهم« نقطة اولى اذا اعترفنا بكذبها، اضطررنا الى مراجعتها، مما يفتح الباب، لا محالة لمراجعة جميع الاكاذيب الاخرى، ويؤدي في النهاية الى انهيار البنيان الذي تقوم عليه السياسة اليهودية والغربية، علما بان هذا البند اصبح من الهشاشة بحيث لم يعد يستطيع اي باحث الا ان يعترف بخطئه »حتى راؤول هيلبرغ الذي كان الوحيد الذي امتدحه فنكلشتاين كونه يهوديا مثله، وغير متنكر للصهيونية، حتى هيلبرغ يعترف بان العدد لا يتجاوز المليون والنصف«.

اما الاساس الثاني: اداة الجريمة، والمقصود بها افران الغاز، فانها ترتبط بالمعنى اللاهوتي لفكرة الحرق في الدين اليهودي، حيث تعني هولوكوست حرق الضحية حتى الرماد، وذلك استجلابا لرضى يهوه، ومنحه مكافأة بديلة لليهود، وبذلك يقول بعض الحاخامات »ان اسرائيل هي رد الله على الهولوكوست« اضافة الى ان منحها هذا البعد الديني يجعل الاسطورة من المقدسات، التابوهات التي يمنع المس بها.

واخيرا مسألة الخصوصية، والتي اصر عليها فنكلشتاين، فابرز مثال عليها آخر حكم صدر على روجيه غارودي، حيث اعتبرت المحكمة ان قوله: »ان موت اي بريء سواء اكان يهوديا ام غير يهودي، هو جريمة بحق الانسانية« هذا القول يساوي موت اليهود بسواهم، فيخفف من الجريمة.

كل هذا يصر عليه صاحب صناعة الهولوكوست، ليجعلنا نتساءل هل ان كتابه هو حلقة في الصراعات اليهودية الداخلية، خاصة الصراع الذي ظهر منذ حوالي ثلاث سنوات بين المجلس اليهودي الامريكي، والمنظمات اليهودية الاوروبية، حول مسألة التعويضات؟

سؤال يدعمه مؤشران وردا في حديث الكاتب نفسه:

الاول انه كان يكرر المقارنة بين الالتزام الاوروبي »الالماني« بالتعويضات والصعوبة التي كانت تجدها امه في الحصول عليها من المجلس اليهودي الامريكي.

والثاني قوله من على شاشة الجزيرة: لقد طلب مني ان اضع هذا الكتاب.

فمن الذي طلبه منه؟

دون ان يعني ذلك اننا لا نستفيد كثيرا من الوقائع الفضائح الواردة فيه، »والتي تذكرنا بتقرير خروتشوف عن ستالين« لكن مع الحذر من سم يدس في الدسم.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون