قبل عشرة اشهر قال لي روجيه غارودي في باريس: اقترحت على الزعماء العرب اقتراحا بسيطا جدا، ان يقرروا بيع النفط باليورو بدلا من الدولار، وعندها سيرون ردة فعل واشنطن.
المسؤولون العراقيون، لم يهملوا الاقتراح على ما يبدو لكنهم يضعون كل شيء في الملف، ليخرجوه وفق اجندتهم الخاصة واستراتيجيتهم.
واذا كان طرح غارودي لا يصدر عن كونه مسلما، بقدر ما يصدر عن كونه اوروبيا، فان لاوروبا والعراق خطين متبادلين متصلين ازاء هذا السلاح الخطير، الذي يشكل عقدة المأساة وحلها.
فثمة تيار اوروبي، يناضل باستمارة لاجل الاستقلالية عن الولايات المتحدة، ويصدر في ذلك عن منطلقين: مبدئي، ومصلحي، منذ شارل ديغول والرؤية التي شكلت اساس سياسته، ونقلها عنه احد مستشاريه، في مذكراته بعبارة: »حول هذا المتوسط، حضارات الفية ذات قيم مشتركة، كانت اساس الحضارة الانسانية، في عملية تبادلية مستمرة، وهي تتناقض في جوهرها مع حضارة المنفعة الامريكية المقطوعة الجذور..
هذه الرؤية لم تستمر مع الديغولية فقط، وانما في صفوف تيارات اخرى، ابرز تمثيل لها، جان بيير شفينمان، الذي دافع عنها بتحليل عنيد وعميق سواء في مواقفه ام في كتابه »فكرة معينة..« حيث نقل فيه عن الرئيس صدام حسين قوله له:
»ان بلدينا يستطيعان التفاهم لانهما يستندان الى تاريخ الفي.. في حين ان امريكا ليس لها تاريخ، وليس لها ذاكرة…«.
وفي ذات الكتاب ذكر الوزير ان الرئيس العراقي عرض عليه فكرة شراء النفط العراقي في ارضه…
المحللون قالوا دائما ان اللعب بنار النفط، والتوجه نحو اوروبا واليابان، وانهيار الاتحاد السوفياتي.. وتهديد اسرائيل.. عناصر كانت وراء الضربة.. فما الذي تغير اليوم؟
ها هو العراق يحاول ان يشبك يده من جديد بيد اوروبا وروسيا.. وها هو يلوح بسلاح النفط… وها هو نظامه السياسي في مكانه..
السؤال الآخر الخطير، الذي يجيب عن جزء كبير من السؤال الاول:
اللوبيهات اليهودية الاوروبية والروسية، التي استشرست بشكل لم يسبق له مثيل في دفع اوروبا الى الحرب وروسيا الى الحياد اين هي اليوم؟
مثلا لوران فابيوس الاشتراكي الذي قاد الجمعية الوطنية في تصويتها… لماذا يصمت الآن وهو وزير للمالية؟
شريكه الشيوعي وحليفه في البرلمان عام 1990 اليهودي الآخر، غايسو، لماذا يقف محايدا اليوم ازاء الرحلات الجوية وهو وزير للمواصلات؟
شريكهما الثالث، بيير جوكس الاشتراكي، بطل قصة كاربنترا التي حركت الشارع والنواب عام ،1990 والذي حل محل شفينمان المستقيل، من وزارة الدفاع احتجاجا على قصف العراق، ليكمل عمليات القصف لماذا حاول قبل فترة ان يرتب زيارة للعراق؟
المظاهرات التي اخرجتها المنظمات اليهودية بالآلاف، تهتف: »لننتهي من شفينمان وصدام« او »عرفات، صدام انه الغاز…« لماذا تصمت الآن.. وربما كان من عناصرها من يجلس على ظهر الطائرة القادمة الى بغداد؟
بالنسبة للاميركيين لم يعد العراق يشكل خطرا على وضع يدهم على نفط الخليج.. وبالنسبة لليهود لم يعد العراق يشكل خطرا على اسرائيل »حتى ولا خطر منع او عرقلة قطار السلام«، او عقد قمة للصمود والتصدي في بغداد، بل ان دوره بقوته، ومياهه، ونفطه قادم في رقصة الخطوة، خطوة…
لكن العراق لم يكن يوما ليجهل كل ذلك، وسياسته تدل، على انه لم يقع يوما في مطب جهل قوته، تلك التي اراد العالم كله بمن فيهم العرب، اقناعه بانها اصبحت مشلولة، لم يقع في مطب التيئيس الذي قال زئيف جابوتنسكي قبل ستين عاما انه السبيل الوحيد للانتصار على العرب.
وفي اقصى حالات الخنق، ظلت بغداد تتصرف كعاصمة العباسيين، وتوقع بيانات وجودها بختم بابل، وتقول في كل موقف ان الامم كالافراد، اولاد الاصول يتحملون الشدائد مهما قست، وينهضون، واللقطاء وحديثو النعمة، »يعيشون في الفقر ويخافون من قدومه« مهما بلغت ثرواتهم.
هذا في العراق..
اما اوروبا، وتحديدا فرنسا التي كانت اول »الخارقين« فليست كلها سياسيين »متعلقين بذيل التنورة الامريكية« وليس شعبها عبدا للوبي اليهودي الذي يسحب دم فرنسا، ليضخه في شرايين اسرائيل «على حد تعبير المفكر بيير غييوم« ثمة اصدقاء، وثمة مناضلين يعانون مثلنا من موقف ضد الامركة والتهويد، ثمة سياسيين كبار، ومنهم من كانت علاقاته معنا السبب الرئيسي في خسارته لمعاركه، من اعلى القمة، وفاليري جيسكار ديستان وملصقات »اوزيراك: ديستان هو السبب« الى عدد كبير من المسؤولين والمفكرين والنشطاء..
هنا يكمن الرهان.. الى من نمد يدنا ولمن نمنح عناصر القوة والغلبة؟!