اعاد الطائف انتاج الحرب اللبنانية، لتأتي الانتخابات النيابية الاخيرة فتعيد انتاج ما قبل الحرب..
وها هو بيان المطارنة الموارنة يعيدنا الى تلك الاجواء.. خاصة وانه لم يصدر عن فراغ، وان مقدماته كانت واضحة منذ ما قبل الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب.
لم تحتج كومة القش لاكثر من هذا البيان، الماروني، كي يعلو الصوت بالرد، سنيا، درزيا، شيعيا.
»المد الطائفي كالآنية المستطرقة« ـ قال احد الزملاء اللبنانيين.
وكيف لا يكون، طالما ظل الوطن آنية لطوائفه، لا اناء لشعبه، فظل دفع منسوب السائل الطائفي الى الارتفاع، مرهونا فقط بظرف يتيح للافعى ان تنفذ برأسها.
لم تكن المطالبة بالخروج السوري الا تعبيرا طائفيا انعزاليا، ولكن الرد عليه لم يكن قوميا صحيا كما نريد.
وطالما ان المنطق التجزيئي، ما يزال ينطلق من البصم بالعشرة على خريطة سايكس ـ بيكو، فسيظل تحريك الحساسيات الانعزالية الفئوية امرا لا يحتاج لاكثر من ظرف او كلمة.
ولكن:
هل كان للطريقة التي اديرت بها حرب سبعة عشر عاما »على الاقل« والطريقة التي انهيت بها، ان تنتجا الا هذا الحصاد؟!
وهل كان للطريقة التي اديرت بها المعركة الانتخابية الاخيرة، ان تؤدي الى غير هذا النتاج؟
هل يمكن ان يحصد زارع الزؤان قمحا؟ بلغة اوضح واكثر تحديدا:
بدأت الحرب اللبنانية بين خطين: خط طائفي فئوي انعزالي، مرتبط باسرائيل. وخط قومي، تقدمي، علماني مواجه لاسرائيل. وتحولت ـ بقدرة القادرين ـ في مراحلها الاخيرة، الى خطين متشابهين في طائفيتهما، في فئويتهما، في تخلفهما وانعزالهما.. بحيث لم يعد بامكانك ان تفاضل بينهما الا بمعيار واحد الموقف من اسرائيل.. ولنكن واضحين اكثر لم يكن المعسكر الآخر، الوريث: »وريث القوميين والتقدميين والعلمانيين« بكله في موقف المواجهة مع اسرائيل، بل ان الذين ظلوا منه في هذه المواجهة هم فعليا القوميون وبعض التنظيمات اليسارية التي تضاءلت وحزب الله…
كيف تم التحول؟ كل الذين يعرفون المسيرة اللبنانية يعرفون الجواب..
يعرفون كيف سحق الشيوعيون، كيف تم تحجيم وتفريق القوميين السوريين، كيف تحول التقدميون الاشتراكيون بعد كمال جنبلاط الى »الميليشيات الدرزية«.. بل كيف ازيح مصطلح المقاومة الوطنية الذي كرسه القوميون واليساريون، ضاما الجميع، لصالح مصطلح »المقاومة الاسلامية« الذي اصر عليه الاعلام الغربي قبل العربي مكرسا الاستثنائية..
يعرفون كيف اصبح المناضلون الوطنيون المسيحيون يتعرضون للتصفيات في المناطق التي كانت »مناطق النضال الوطني« بحيث اصبح رفاقهم من الطوائف الاخرى عاجزين عن حمايتهم.
دون ان يعني ذلك اطلاقا ان المعركة الحقيقية ـ في لبها ـ كانت بين طائفة واخرى.. لا: المعركة الحقيقية كانت بين تيارين: الطائفي، واللاطائفي الوطني، بين عمليتين: الفرز الطائفي، والوحدة الوطنية.. ولذلك حسمت نهائيا في الشطر الغربي، لانها في الشطر الاول: »الشرقي« حسمت منذ البداية، منذ عبارة »غير مرغوب فيك« على ابواب بيوتنا.. »ومن اصر البقاء بعدها، ذهب الى ديار البقاء« منذ النبعة، والكرنتينا، والهري والكورة وتل الزعتر..
لكنها في المرحلة الثانية حسمت في الشطر الثاني.. ليأتي الحسم الاخير، الموثق، المشترك، الممهور بالختم العربي ـ الامريكي، في الطائف.
تكرس، ما خضنا الحرب لالغائه.. وعدنا الى الحصص«. واعتبرنا ان اقرار كون الوطن كعكة، حلا، وان مرور السكين في جسده، جراحة، وتوزيع القطع علاجا..
لم يكن الطبيب يخطىء التشخيص، لكنه لم يرد العلاج…
وسرنا… من جديد الى الهاوية.. جاء تحرير الجنوب، اجبر الكثيرين على الانحناء الى ان تمر العاصفة..
جاءت حكومة ارادت ان تكون قومية لا طائفية، فوضعت في عجلاتها كل السلاسل الاقتصادية.. وغنى زياد الرحباني: »انا مش كافر، بس الجوع كافر«.
جاءت الانتخابات الاخيرة: »لا صوت يعلو على صوت النعرة الطائفية، ولا بريق الا للتلويح بالدولار…«
عاد الجميع »الا الندرة« الى ركوب دبابة الحك على الجرب الطائفي والفئوي، فاجتاحت دباباتهم جسد الوطن…
تنفس المطارنة الصعداء… واطلقوا بيانهم..
أثمر الزؤان زؤانا.. كأننا في حصاد اوائل السبعينات..