“لا يمكن للعراق ان يستعيض عن الوضع العربي بالصين وروسيا”.
هذا ما قاله الدكتور عبدالمجيد »الذي جاء يدافع عن الدكتور عصمت عبدالمجيد« على شاشة تلفزيون الجزيرة.
السؤال البديل لم يطرحه احد:
ولماذا يمكن لدول عربية اخرى مقابلة، ان تستعيض عن الوضع العربي بالولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل؟
»فالوضع العربي« مصطلح قد يعني الدول المعادية للعراق، وقد يعني ايضا العراق، والدول المؤيدة له، والشعوب العربية المتعاطفة معه.
فلماذا اذن اهمية ذا واللامبالاة ازاء ذاك؟
ببساطة مطلقة لا يجرؤ المتحاورون على قولها: لان الوضع العربي هنا هو الوضع العربي… وهناك، هو وضع.. لا حول ولا… فهل كان قرار الحرب عام 1990 قرارا عربيا؟ هل كان قرار استقبال الجيوش الامريكية قرارا عربيا؟
الم يقرأ الناس عشرات الكتب، الفضائح التي صدرت بعد ذلك؟
من شليسنغر الذي كشف، من جملة ما كشف، كيفية فرض قرار الادانة في قمة القاهرة. كيف تهرب الزعماء من الرد على هاتف الملك حسين، عندما عاد من بغداد وأراد ابلاغهم بأن صدام حسين وافق على الانسحاب، تهربوا كي لا يفقدوا حجة الادانة والحرب، وكيف تأخر القذافي في قاعة الاجتماع بعد خروج الجميع، وعندما عاد من يناديه قال له: »هل كان القرار مطلوبا منكم اليوم؟ لا غدا؟«. هذا شليسنغر.
اما جان بيير شفينمان الذي كتب من منظور فكري تاريخي، معتبرا ان العرب حاولوا ثلاث مرات في التاريخ الحديث اجتياز العتبة الصناعية، وعتبة التبعية الكلية، سياسيا وعسكريا، وضربوا في الثلاث من محمد علي، الى جمال عبدالناصر الى صدام حسين، فقد اوضح في كتابه الشهير، كيف كان القرار العربي مصادرا، والى حد ما القرار الفرنسي.
كما اوضح اندراج عملية الصراع هذه في سياقها العالمي. معتبرا اياها الدرس الافتتاحي في النظام العالمي الجديد.
عشرات التحليلات، وصولا الى روجيه غارودي، وبساطة ودقة الاحصائيات الاقتصادية التي يقدمها حول ديون الولايات المتحدة الامريكية، واوضاعها الاقتصادية، التي تجعل من بقائها القوة الاولى في العالم، متوقفا على السوق العربي، بنفطه واسلحته وطاقته الاستهلاكية.
لذا لم تكن الحرب قرارا عربيا..
لم يكن السلم ـ الحصيلة، قرارا عربيا.
لم يكن بقاء الحصار قرارا عربيا..
ولم يكن رفع انتاج الاوبك من النفط قرارا عربيا..
لقد كتبنا في هذه الزاوية، ان المعركة في كراكاس ستكون حول المصالح والهيمنة الامريكية وستكون معركة عربية ـ عربية، في احد ابرز وجوهها. وقد كانت، وانتصرت فيها واشنطن.
اذن.. فكيف يمكن ان يكون قرار الجامعة العربية عربيا؟
اسئلة لا تطرح للتيئيس، فقد قال يوما المنظر الصهيوني المؤسس زئيف جابوتنسكي: »ليس من استعمار لم يحاربه اهل البلاد بكل قواهم، وسيقاتلنا العرب طالما ظلت لديهم اصغر بارقة امل«، لذا كان التيئيس المطلق هو الهدف الحثيث لكل مستعمر او مهيمن.
فلو وجدت لدى مسؤول عربي جرأة الجار الامريكي الجنوبي لواشنطن، او الارادة الحقيقية في جعل الوضع العربي عربيا.. لما كان الامر مستحيلا.. لكن الامر بين من يخاف ان يستفرد به، وقد رأى اكل الثور الابيض.. وبين من يخاف خوفا آخر، ولاسباب اخرى..
لذا قد يبدو للعراق ان طاقة نور قد تأتي من روسيا او الصين..
وقد يبدو للبعض ان ثمة تململا يأتي من فرنسا..
لا شك ان ذلك كله مرتبط بميزان المصالح الدولية، وتلك طبيعة وقاعدة العلاقات الدولية.
لكن مما قد يثير القلق مثلا، ان التحرك الذي يقوم في فرنسا لاختراق الحصار الجوي، والذي يقوده اصدقاء للعراق، يتعرض للاختراق من قبل جماعات او رموز شيوعية او اشتراكية يهودية معروفة بتأييدها المطلق لاسرآئيل، وبموقفها المستشرس في الجمعية الوطنية عام ،1990 لاستصدار قرار الحرب وقوانين اخرى؟
فلماذا تريد الآن تسجيل موقف ينافق في التساهل مع العراق؟
وما هو الثمن المضمر؟
في كتابه المذكور عن حرب الخليج اورد جان بيير شفينمان شعار الفلسفة الرواقية الشهير: »تحمل وامتنع« واضاف اليه: »والزمن وحده، هذا النحات الكبير هو الذي سيعطي كل واحد المكان الذي يستحق«.
فكم من مسؤول قيادي، يغمض عينيه، ليرى المكان الذي سيستحقه على يد هذا النحات.. المخيف؟!