الحلم الواعي

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 12-09-2000

من ارسطو، الى ديكارت. وحقيقة مصطلح »الحلم الواعي« موضع جدل خلافي.

الحلم نشاط لا واع، فكيف يكون »واعيا«؟

حتى ولو اصر على وجوده فيلسوفا المنطق، رغم فاصل الزمن.

حتى ولو انضم المنطق الديكارتي الى المنطق الارسطي في تأكيد ان بعض الناس »يحلمون وهم يعون تماما انهم يحلمون« وان وعيهم ذلك يترجم بعده طرق ابسطها تلك التي تجعل الحالم قادرا على التحكم بحلمه، وايقافه عند نقطة معينة، غالبا ما تكون قمة ازمة معينة، قائلا »انه مجرد حلم«، نقطة لا تتجاوز ثانية تسبق الاستيقاظ الكلي، والذي يكون غالبا، مفاجئا.

اما اعقد تلك الطرق، فتلك التي تمكن الحالم من التحكم بمجريات حلمه، وتحويرها، وتأويلها، وتطويرها بالحذف والاضافة والتلوين.. سواء فيما يخص الشخصيات او الاحداث او الافكار والاراء او المشاعر.

ويؤكد علماء النفس ان الوصول الى حالة التمكن هذه، لا يأتي الا نتيجة تدرب وتدريب..

وفي هذه الحالة، لا يحتاج صاحب الحلم ـ سيكولوجيا ـ الى اليقظة المفاجئة، بل انه، وعلى العكس، قد يستسلم لفترة طويلة لمجريات حلمه، المصنوع والمتحكم به…

ان الهرب المفاجىء من الحلم في الحالة الاولى، هو في العمق هرب سريع من الجنوح المتهور الذي يحمل حلما مطلق الاجنحة، بلا قوائم يجثم عليها.

ولذلك فان الحالة الثانية بقدرتها على طي الاجنحة، وتحويل الطائر الى سيارة قوية الكوابح، ومجهزة باجهزة التحكم، يلغي الحاجة الى الهرب.. بل يولد القدرة على تحويل السير في اي اتجاه مراد.. او اعادة اخراج المسرحية وفق الخشبة المتوفرة، والخطة المتجددة.

وبذلك يصبح التناقض القائم داخل مصطلح: الحلم الواعي، اي بين طرفيه، الحلم والوعي، تناقضا مفهوما، قائما، وان غلب فيه الثاني على الاول.

واذا كانت الحياة ببساطتها، هي التي تسبق الفلسفة والعلوم »بما فيها علم النفس« دائما.. بحيث لا تأتي هذه الا محاولة لتفسير الحياة وفهمها. فان الناس العاديين يعرفون في بيوتهم ومخادعهم حالات الحلم الواعي هذه، خاصة تلك التي تجعل البعض ينتقل خلال نومه وحلمه من مكان الى آخر.. كما يعرفونها في الحياة العامة كل يوم…

والغريب في الامر ان علم النفس لم يحسم الجدل بشأن هذه الحالة السيكولوجية، الا في اواخر السبعينات من هذا القرن.

لكأن هذا التاريخ ـ اواخر السبعينات، وما سبقه من مرحلة امتدت من اواسط الخمسينات الى اواسط السبعينات، يتوازيان تماما مع مرحلة الحلم المجنح، ولحظة الهرب منه، اما الى الاستيقاظ، واما الى التحوير، والتحول، واعادة الاخراج، مع ما في الهرب الاول من »هرب صريح« وما في الثاني من نفاق وخداع وتحايل على الذات والآخر..

الم تكن الستينات قمة الحلم، ليس في بلادنا فقط، وانما في العالم؟

الم يعتبر الكثيرون، فشل الـ 68 في الحركة الطلابية الفرنسية، بداية انكسار الحلم الغربي؟

اولا تعتبر بداية الثمانينات حتى التسعينات مرحلة انكسار الحلم العربي؟

اهي خطيئة هذه الحالة العرجاء التي يكسر الوعي غير المكتمل وغير الحقيقي انتماءها لعالم الحلم، ويكسر الحلم غير الجريء وغير المكتمل انتماءها لعالم الوعي؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون