التبجح والبلاهة

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 03-09-2000

“الناس يشترون الماس للتبجح به، ويشترون الذهب لانهم من البلاهة بحيث لا يعرفون ان يشتروا شيئا آخر، وبنظري انا، فان التبجح هو محرض اهم من البلاهة«.

لست انا من يقول هذه الجملة، لا، ولا متمرد يساري، او فوضوي، او فقير معقد من عدم قدرته على شراء المجوهرات.

قائلها هو الرجل الذي كان يسيطر على 90% من تجارة الحجارة الكريمة، بما فيها الالماس، في جنوب افريقيا. حيث يرأس كارتل الالماس الشهير »دي بيرز«، كما يرأس اكبر شركة عملاقة للمناجم، ويسيطر على معظم تجارة الذهب.

اسمه هاري فريدريك اوبنهايمر، وقد عرف بليبراليته المطلقة، وعدائه للجناح المتشدد في الاقلية البيضاء الحاكمة.

لذلك، كان اول من اقام علاقة مع المؤسسات الاقتصادية السوداء المعادية للنظام الابيض، واول من رتب لقاء بين التجار ورجال الاعمال البيض، ونظرائهم السود.

وبما ان اوبنهايمر قد عاش حتى بلغ الواحدة والتسعين، محتفظا بحيويته، ومرحه، وعشقه للكتاب، فان السؤال الذي يتبادر الى الحضور، هو: هل ان الثروة والنفوذ يطيلان العمر؟

او بالاحرى هل انهما يؤمنان للفرد منا ان يعمل بالحكمة الفرنسية القائلة: »ليس بامكانك ان تعيش اكثر، ولكن بامكانك ان تعيش افضل«؟

لكن الجواب، ينبه الى ان بعض الثروات تتحول الى عذاب لاصحابها، ومثلها، احيانا النفوذ. مرة لأن هاجس »التبجح« يعكر صفو الحياة، ومرة لان ثمة بلاهة اخرى، غير التي تحدث عنها الثري الماسي، تدفعهم الى البؤس، انها بلاهة نسيان واقع ان ما من شيء اقرب من القبر، وانه المكان الوحيد المحتوم، والذي لا نستطيع ان نحمل اليه شيئا لا من ممتلكاتنا، ولا من نفوذنا.

هل كان الاقتصادي الناجح جدا جدا.. يقصد، من جملة ما يقصد، شيئا من هذا عندما قال ان شراء الذهب يعبر عن بلاهة عدم معرفة شراء اشياء أهم.. بمعنى هل ان الاشياء الاهم هي في نظره متع الحياة الحقيقية، العميقة، المتحركة، المتنامية، التي تجعل الانسان سعيدا؟

ام انه كان يقصد معنى اقتصاديا بحتا، هو ذلك الذي توصل اليه علماء الاقتصاد منذ المرحوم جون كينز، وهو ان شراء الذهب تجميد للمال، الذي ينقص بالتجميد، وينمو بالحركة؟

المهم ان في المعنيين اشارة بلاهة، اجتماعية اقتصادية، لا نجدنا بحاجة لان نضع المعنى في حلق القارىء، بتطبيقها على احوالنا..

اما »التبجح«، الذي رأى فيه الرجل، بعبقريته التجارية محرضا اقوى من البلاهة، فهل سواه ما يحرك نشاطنا الاستهلاكي، المدمر لاقتصادنا ولحياتنا الاجتماعية، بل والفردية كلها؟

اما اذا كان ثمة قائل بان التاجر العجوز، يتوصل لأن يقول ما قال لانه مشبع بالاكتفاء وغارق في الامان، فان المنطق يقول ان لكل اكتفاءه وامانة الموازين لتبجحه، بمعنى ان قدرتك على التبجح، هي ذاتها قدرتك على تحقيق اكتفاء آخر، اعمق واقدر على تحقيق السعادة والامان.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون