«فيليب داجو» مطرب شاب، فرنسي، بل اسرائيلي… فكونه يهوديا يعني تمتعه بالجنسية المزدوجة. ويعني انه يملك حق اختيار اداء الخدمة العسكرية الالزامية، اما في فرنسا، او في اسرائيل، والنتيجة ان 30% من يهود فرنسا يؤدون خدمتهم في ارضنا المحتلة، كما تقول احصاءات وزارة الداخلية الفرنسية، بحيث اصبحت لهم وحدة خاصة في الجيش الاسرائيلي تعرف باسم »سار ايل«.
اما العلاقة بين هذه المعلومة العسكرية والغناء، فتعود الى الاحتفال الذي اقامته هذه الوحدة في بداية التسعينات في الذكرى العاشرة لتأسيسها، حيث جاء للمشاركة فيه، خصيصا، ثمانمئة فرنسي يهودي من المتطوعين السابقين، »الذين يتحولون الى جنود احتياط« بقمصانهم الكاكية، التي طرز بعضها بثلاثة احرف صفراء تميز المتفوقين منهم.
عن هذا الاحتفال كتب احدهم: »كانت اللحظة الاكثر تأثيرا في السهرة، بحضور الرئيس هرتزوغ، عندما انشد فيليب داجو »ارض اسرائيل« وهي اغنية يصف فيها لحظات الانفعال التي عاشها عندما كان جنديا في سار ايل، خلال حرب الخليج«.
اما تمويل الاحتفال فتكفلت به جمعية كيرين اور الفرنسية، »اي راحة الجندي« والمقصود به طبعا الجندي الاسرائيلي.
الطريف في الامر ان هذا الحق الاستثنائي قد احكم ربطه، باعطائه ايضا للمهاجرين المغاربة، بحيث يمكن لليهود ان يحركوا قوة ضغط كبيرة ضد اي محاولة لوقفه، كما حصل عام ،1992 عندما اثار مستشار وزير الداخلية لشؤون الهجرة، جان لويس بارو، القضية قائلا:
»انني اجد من باب الفضيحة الكاملة ان يؤدي مواطنون فرنسيون خدمتهم العسكرية في الجزائر او اسرائيل. ان في ذلك استقالة سياسية وفكرية لا يمكن القبول بها«.
لكنه عاد واعترف بان جهاز الوزارة يعتبر الغاء ذلك »امرا مستحيلا«.
واذا كان وضع فرنسا، لا يختلف في ذلك عن وضع العديد من الدول الاخرى، الاوروبية والامريكية، فذاك لان الامور مبنية على اساس ايديولوجي واحد، هو القبول باستثنائية الانتماء اليهودي السياسي الى ارض فلسطين.
نقول السياسي بالمعنى الحقوقي، لأن كل المسلمين مرتبطون روحيا بمكة المكرمة، وكل المسيحيين مرتبطون روحيا بالقدس والناصرة وبيت لحم. لكن احدا لا يمكن له ان يدعي حقا سياسيا فيها. وما من حفيد لصليبي يدعي »حق العودة« الى فلسطين.
اما »حق العودة« الآخر، النقيض، والاساسي، فهو حق اللاجىء الفلسطيني، الذي اخرج بالقوة، ولم تمض عليه بعد الفا سنة، لا يمكن بعد مضيها ـ وبمعايير علم الاجتماع والتاريخ ـ الا يصبح الانسان مواطنا حيث هو، وان يستمر برفض الاندماج.
حق الفلسطيني، الذي لم يعبر فلسطين سبعين سنة، بل امتدت جذور سلالته التاريخية فيها، ونمت دون انقطاع منذ سبعة الاف عام الى الآن.
هل في كل هذا اكتشاف لا تعرفه الامم الغربية: الاوروبية والامريكية، بل وكل امم العالم، التي لم يعد بينها واحدة تدعي وحدة العرق او تفوقه، واحادية الدين الذي يميز بين انسان وانسان، وعرق وعرق، ويوزع عليهم رقع الارض، وكلها امم تشكلت بالتمازج، واكتسبت حقها بفعل الاستمرارية التاريخية؟
لكن، ثمة اساسان مفصليان:
ـ الاول قبول هذه الاستثنائية بفعل السيطرة الروحية التي ترسخ القبول بالاساطير المؤسسة لادعاء الحق اليهودي، والاساطير الحديثة المؤسسة لعقدة ذنب، تحرم التعرض حتى لشذوذات اليهود.
ـ والثاني، المصالح السياسية والاقتصادية التي تتقن اللوبيات اليهودية حبكها، قيدا لكل قرار سياسي مستفيدة من جملة ما تستفيد منه، من الاساس الاول.
عناصر، لا بد من جرد حسابها كلها، والتخطيط لمواجهتها واستغلال اللامنطق الناجم عنها، عند التعرض لأي بند من بنود الحقوق.