اسئلة قلقة

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 19-09-2000

عندما زرنا العراق بعد سنة من الحرب، دعينا الى متحف الحرب، وهو متحف اقيم في سراي قديم، يظهر جميع المنشآت التي دمرتها الحرب في حالاتها الثلاث، حالتها قبل الحرب، بعد التدمير، وبعد ان اعادت الايدي العراقية بناءها.

واذكر تماما تعليقين قالهما لنا المهندس الذي استقبلنا، وكتبت عنهما في حينه، اولهما تعبيره عن سعادة العلماء والمهندسين العراقيين – رغم كل المرارة – باعادة بناء كل شيء بانفسهم، دون خبراء اجانب، حيث قال بالحرف: دائما كان هناك وهم بان الاجنبي اكثر قدرة ومعرفة منا، وكنا نحن نعرف ان ذلك مجرد وهم، هذه المرة استطعنا ان نثبت اننا قادرون على اعادة بناء كل شيء، دون الاجنبي، وبشكل افضل، ومدة اقصر.

اما التعليق الثاني، فقد كان يدور حول ملاحظة ان المنشآت التي اصيبت بضربات »جراحية«، اي من ذلك النوع من الضربات التي يصيب عصبا او مركزا او عقدة، تعطل كل شيء، لم تكن الا المنشآت التي تبثها شركات اجنبية، وبما ان هذا النوع من الضربات لا يمكن تنفيذه بدقة الا بامتلاك خرائط الموقع، فان ذلك يعني ان الشركات المعنية سلمت الخرائط للقوات العسكرية.

لم يكن الامر يحتاج الى عميق تحليل لمعرفة ان هذه الشركات تحقق بذلك اكثر من هدف:

تدمير القدرة العراقية في معظم المجالات، تدمير هذه المواقع للتمكن من الحصول على عقود اعادة بنائها، بما في ذلك من تجدد ارباح، والاهم، هدف يرتبط ببعد الزمن، حيث ان في ذلك تدميرا لعدد من السنوات تساوي سنوات البناء، سنوات الحصار، وسنوات اعادة الاعمار، مع كل ما تعنيه نتيجة هذه العملية الحسابية، من تخلف عن قطار الزمن والتنمية، خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار ملاحظة حضارية تتعلق بعنصر الزمن، هي انك عندما تقف، لا تبقى مكانك، وانما تعود الى الوراء بقدر ما يسير العالم الاخر الى الامام، وعندما يكون السير بالسرعة الجنونية التي يعيشها عصرنا.. فان تخيل الناتج مخيف..

بعدها، كشفت مصادر عسكرية وديبلوماسية عن اسرار خطيرة، منها مثلا ان الشركة الفرنسية التي نفذت معظم الانشاءات المدنية في العراق، لم تكن الا الفرع المدني للشركة المصنعة للطائرات العسكرية التي قصفت المنشآت نفسها..

اسوق هذا كله، مقدمة لرد على تساؤل وجهه الي احد القراء حول فقرة في مقال السبت، عن التخوف من اللين الكاذب الذي يمارسه الان، ولو بتحفظ بعض الساسة اليهود او المتهودين المتصهينين في اوروبا، ازاء العراق خاصة في فرنسا، حيث نرى ان رموزا ممن كانوا عام 1990 من اشد من مارس نشاطا محموما في الجمعية الوطنية، لدفعها لاستصدار قرار الحرب، يتصرفون اليوم بشكل يوحي بالتساهل واللين ازاء موضوع الحصار، وعلى رأسهم ثلاثة رموز لوران فابيوس الذي كان يومها رئيسا للمجلس الوطني، وغايسو الذي كان رئيسا للكتلة الشيوعية، وبيير جوكس الذي كان وزيرا للداخلية.

فاذا كانت بعض الانباء تحمل الينا اليوم مواقف من مثل، تساهل غايسو، وهو اليوم وزير للمواصلات مع قضية الطائرة التي يعدها البعض لخرق الحصار.

وقبل فترة سمعنا عن رغبة بيير جوكس بزيارة العراق، وذلك في اطار غض طرف من قبل الرئيس جوسبان.

فان ذلك لا يمكن ان ينسينا دور هذا اللوبي نفسه، في عملية مقبرة كارنبثرا وتوظيفها لاستصدار قرار الحرب، ولاقرار قانون فابيوس – غايسو لترسيخ عقدة الهولوكوست، ولتأسيس وتدعيم الميليشيات اليهودية المرتبطة باسرائيل »بل وبأقصى اليمين المتطرف فيها«، مما تبجحت به فرانسواز كاسترو فابيوس، زوجة لوران فابيوس، في احدى خطبها الانتخابية، مذكرة اليهود بان ما قدمه لهم زوجها وبيير جوكس هو خدمة لم يسبق لها مثيل في فرنسا.

واذا لم ننس ذلك كله وما حوله من تفاصيل جعلت عهد هؤلاء العهد الذهبي لاسرائيل في فرنسا، والعهد الذي تم فيه تحويل الطائفة اليهودية الى لوبي مرتبط باسرائيل، رغم انف سائر الفرنسيين.

كما انتبهنا الى ان مظهر الصراع الذي جعل هؤلاء في مواجهة وزير الدفاع في حينها، جان بيير شفينمان، وادى الى استقالته، هو في العمق المبدئي ذات الصراع الذي دار بين الفريقين هذا العام، وشفينمان وزير للداخلية، وادى الى استقالته.

والى امور كثيرة اخرى، لا متسع لها الان ترتبط بمستقبل تصفية الصراع مع اسرائيل..

لبدا التساؤل القلق الذي طرحته في مقال السبت واضحا ومبررا..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون