مغالطات كاسيدي

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 14-08-2000

قبل اشهر وجهنا من هذه الزاوية تحية لغبطة البطريرك ميشال صباح على حديثه للفضائية اللبنانية، وتحديدا على توضيح قدمه، حين قالت له المذيعة »غير البريئة«: انتم الثلاثة: انتم والمسلمون واليهود، حيث اجابها: »ليس هناك ثلاثة، هناك اثنان: نحن: الفلسطينيين سواء كنا مسيحيين ام مسلمين. وهم: اليهود الاسرائيليون.

وبالامس عاد الكاردينال كاسيدي الى النغمة »غير البريئة« ذاتها، وبتعبير اسوأ، »لا ندري باية بلاهة اعتبره بعض السياسيين والاعلاميين عندنا، ايجابيا«. حيث قال »بانه يجب ان يكون لليهود والفلسطينيين والمسيحيين مكان في القدس«.

فاي حشد من المغالطات تحملها هذه الجملة القصيرة! مغالطات لا يمكن ان تكون محض صدفة حين تصدر عن رجل وصل رتبة كاردينال، ويرأس المجلس البابوي للحوار بين الاديان.

اولى هذه المغالطات، تقع في المنطقة الفاصلة بين الديني والحقوقي السياسي. فاليهودية دين، والمسيحية دين، لكن الفلسطينيين شعب.

بمعنى آخر ان الاولى والثانية نسبة الى السماء، تضم في اطارها عددا كبيرا من الشعوب، التي ينتمي كل منها لبلاده، لارضه، لوطنه، لحيث يعيش اجداده من مئات او الاف السنين.

والفلسطينية، وطنية، تضم في اطارها عددا من الاديان: الاسلام والمسيحية، واليهودية… وحتى لو قرر احدهم ان يعود وثنيا او ملحدا او ان يعتنق البوذية او الكونفوشية، فانه سيظل فلسطينيا.

هذه بداهة لا يجهلها كاسيدي، لكنه يتجاهلها عن وعي وقصد، ليساوي الحق اليهودي، بالحق الفلسطيني اولا.. ويميع القصة بالنسبة للحق »المسيحي« كي يركز دور الفاتيكان ثانيا.. وليجعل من الفلسطيني مرادفا للاسلامي، كي يركز فكرة »الاطراف الثلاثة« التي حرص البطريرك صباح على نفيها وتأكيد »الاثنين« وذلك لا لأن الكاردينال يريد ان يضع المسيحيين الفلسطينيين خارج دائرة الصراع، بكل ما يمثله وجودهم، خاصة ازاء الغرب، ومن ثم العالم، سواء على صعيد صورة التعددية الحضارية المناقضة للاحادية العنصرية الطائفية الاسرائيلية المتخلفة، ام بالنسبة لامتلاك النقطتين الاساسيتين، من الثلاث التي تمثل الحقوق الدينية.

بل لانه يريد ايضا ان يوحي باسلامية المطالبة الفلسطينية بالقدس، لاثارة عدم تعاطف، او لامبالاة غربية ازاء الامر. لكن الانكى من ذلك كله، تعبير الـ »مكان«، فكيف يستبدل مصطلح »الحق الوطني« بالـ »مكان«.

فهل كانت القدس يوما فندقا لكل من اراد حق حجز غرفة فيه؟

وهل كونها ذات قيمة دينية استثنائية يجعلها ارضا مشاعا لقيطة.

هل تخرج مكة المكرمة عن كونها ارضا سعودية، تخضع للسيادة السعودية، ويملك كل مسلم حق زيارتها، بتأشيرة، ووفق ترتيبات حكومتها؟

الم تكن القدس لهذا الشعب، قبل اليهودية والمسيحية والاسلام؟

ولكن… أليس علينا نحن ان نرد بتركيز الطرح الحقوقي اولا؟

فليست القدس لنا لأن فيها المسجد الاقصى المبارك، او كنيسة القيامة، او قبة الصخرة، او الجسمانية.

انها لنا…

ولها خصوصية وقيمة ان فيها كل ذاك.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون