“بالنسبة لليكود اصبحت الحرب مع العرب نمط حياة.. بالنسبة للعمل، لقد حقق “الجدار الفولاذي” اهدافه، وحان الوقت للتفاوض، لكن بدون تقديم اية تنازلات، ثمنا للسلام«.
بهذه العبارة اختتمت باحثة سياسية تحليلها لثلاثة كتب صدرت مؤخرا عن »المؤرخون الجدد« بني موريس، آفي شلاييم، وايلان بابي، اضافة الى كتاب آخر صدر سابقا لآفي شلاييم.
والكتب الاربعة هي عبارة عن مراجعة لتاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني، لا يقتصر على فترة ما بعد انشاء دولة اسرائيل، بل تبدأ من عام ،1881 معتمدة بشكل خاص على الوثائق الاسرائيلية، والبريطانية التي فتحت ملفاتها عام 1978.
لقد كان الجدار الفولاذي، نظرية جابوتنسكي الشهيرة، التي اعتمدها بن غوريون، ضمانة لتشكل »الدولة« بمعزل عن التهديد والاختراق العربيين، وعليه، يعلق احد هؤلاء المؤرخين، بان السلام لم يصبح ممكنا الا بعد كسر المقاومة العربية. وهذه هي الاستراتيجية التي تبناها حزب العمل، حتى وان لم يعلنها رسميا، ومن ضمنها جاء القبول بالحكم الذاتي الفلسطيني.
ان ازالة الجدار المذكور، تعني اختراق كل طرف للآخر، وهذا ما كان يخافه قادة اسرائيل في البداية، لكنهم لم يعودوا يخشونه اليوم، فراحوا يدفعون اليه.
لكن السؤال الذي يبرز هنا: هل صحيح ان المقاومة العربية قد كسرت بالمطلق؟
وهل صحيح ان الاختراق لم يعد يشكل خطرا الا علينا؟
السؤالان مترابطان بعلاقة سببية وثيقة وعميقة، وفي الاجابة عليهما تكمن قضية المرحلة.
صحيح انه في المطلق المكاني والزماني لا مجال للقول بانكسار مقاومة شعب. والدليل على ذلك، ما حصل في جنوب لبنان »ولا اقول المقاومة اللبنانية، لأن المقاومة هناك، لم تكن فقط تسند ظهرها الى ابعاد غير لبنانية، وانما كانت تضم فصائل وعناصر غير لبنانية«.
وما يحصل في فلسطين، كلما استطاعت النار ان تثقب الرماد، هذا اضافة الى عدم امكانية المراهنة على استمرار الانكسار والموت مستقبلا، وعلى المستوى القومي كله. وهذا ما تدركه اسرائيل جيدا فتستعجل، وتستنفر جميع قوى الضغط اليهودي العالمي، والامريكي لضرب الحديد قبل ان يبرد، ولاغتنام الفرصة التي تمت تهيئتها بعناية شديدة، قبل ان يصحو المغمى عليه وتزول آثار الضربة القاسية على الرأس.
ومن هنا النفاذ الى السؤال الثاني، فالاختراق، هو مرحليا خطر علينا، لاننا على هذه الحال من الاغماء والشلل، لكنه قد يشكل خطرا على الآخر، لو كانت احوالنا على غير ذلك.
وعلى سبيل المثال، فان من شأن هذا الاختراق، فكريا وسياسيا، ان يهز وينسف الاساطير المؤسسة للكيان الاسرائيلي، لو كنا نحن انفسنا نعي وهمية هذه الاساطير، وعيا علميا بحثيا، ولا نترك الامر لمؤرخين يهود واسرائيليين يحاولون بذكاء استباق انكشاف الوهم بتركيز ضمانات اخرى مكانه؟
اولم ننتظر مفكرا غربيا، كي يحرك العالم حول هذا الموضوع؟
او لا نستمر نحن في ترسيخ التفكك القومي الكياني، بل وترسيخ حقد يتجاوز احيانا حقد بعضنا على اسرائيل، في حين يرسمون سياستهم على اساس التعامل معنا كوحدة في الاستراتيجيا، وكاجزاء في التكتيك، للافادة من تناقضاتنا، وجهلنا.
نزرٌ من الآف الامثلة التي تتكاثر كلما عبرنا الى المجال التطبيقي، العملي.
ولذلك كله يظل رهانهم على استباق الزمن، والامساك بالفرصة السانحة، لتكبيل المستقبل، بتنازلات، وارتباطات الحاضر.
لكن الرهان على الزمن، لا يكفي، لأن ثمة زمنا مواتا كلما طال تفاقمت خطورة الوضع، وثمة زمن صحوه، وايمان، وعمل، كلما امتد بنى.