لم اسمع في حياتي كلمة حقوق الانسان كما سمعتها في فرنسا، ولم ار شعبا متبجخا بانه بلد حقوق الانسان كما سمعت من الفرنسيين، لكنني كلما اطللت من نافذتي قبالة الكونكورد رمت علي الصباح المسلة الفرعونية التي سلبت من مصر ونصبت هناك،وسط الساحة، شاهدا يطاول السماء على تاريخ الامبراطورية الاستعمارية. متوسطا اربع نقاط ذات دلالات غريبة: الجمعية الوطنية وتاريخها الثوري الاصلاحي، متحف اللوفر بعراقته ولكن بكل ما يضمه من ثروات الامم التي استعمرتها يوما هذه البلاد ونقلت منها اثارها، الشارع المتد كالسهم نحو قوس النصر والشانزليزيه، واخيرا كنيسة المادلين والغاليري الشهير الذي يحمل اسم الماركيز لافاييت الذي ذهب لتحرير اميركا.
في داخل هذا المربع تقع وزارة الخارجية، التي اطلق منها، قبل يومين، برنار كوشنير تصريحه الفاضح بان حقوق الانسان تحد من فعالية السياسة الخارجية لبلاده. بل وبانه ندم على طلبه تعيين وزيرة لحقوق الانسان. ورغم ان الوزيرة التي عينت في هذا المنصب لم تكن الا ( شحطة كحل اسود ) لتجميل وجه الادارة الساركوزية، فان وزير الخارجية يجد في وجودها عائقا لديبلوماسيته.
لم تفعل راما ياد السمراء المولودة في داكار قبل ثلاثين سنة فقط، شيئا لنصرة حقوق الانسان المنتهكة في افريقيا، لا ولا في اي مكان اخر، واول انشطتها كان زيارة السودان، والتعامل مع حكومته بصفاقة تخالف ابسط الاعراف الديبلوماسية، بل وابسط حدود اللياقة، بل ومع صبيته المساكين الذين تجمع بعضهم للغناء لها ولتحيتها. وفي تعد واضح للسيادة السودانية اعتذرت عن عشاء اعد لها وذهبت منفردة للقاء جهات غير حكومية، ومنظمات اوروبية.
مثلها في ذلك مثل زميلتها رشيدة داتي، التي تجهد، منذ وصولها الى شتم العرب، خاصة المهاجرين منهم، بحيث استعارت التعبير نفسه الذي استعمله رئيسها ( الزعران = فويو ). في حين تستميت في استرضاء اللوبي اليهودي في فرنسا وفي زيارة اسرائيل.
مما يشكل درسا بليغا للعرب او السود السذج الذين تفاءلوا بمجيء اوباما لمجرد ان لونه اسود واسم ابيه حسين.
رغم كل ذلك سيكنس التشكيل الوزاري القادم الوزيرتين الديكور،الوزيرتين الكحل ( عربيا كان ام افريقيا ) وستعود الادارة الساركوزية، بعد ان انهت الكرنفال الى اللعب بدون اقنعة، بعد ان استقرت اقدامها.
ولعل تصريح برنار كوشنير حول حقوق الانسان يشكل بداية، حتى ولو كان المسؤولون قد اعترضوا عليه في الظاهر. ولماذا؟ اوليس كوشنير قائد عمليات التدخل الاستخباراتي السياسي تحت شعار التدخل الانساني؟ اوليس هو الطبيب الذي استغل مهنته لينظم عمليات وصفت بالانسانية في كل الدول التي كانت لفرنسا ( وحتى لليهود واميركا ) مصالح استخباراتية؟ الم يكتب العديد من مفكري الغرب الشرفاء صفحات وصفحات حول حقيقة هذه ” الانسانية “؟
ولكن اوليس هذا التدخل الانساني، وجها محسنا مطليا بالمساحيق المجملة لحق التدخل بصيغته العامة التي شكلت اساس الحروب الاستعمارية بابشع صورها؟ وها نحن نرى اليوم عددا من السياسيين الفرنسيين المخضرمين والمهمين الذين اعلنوا صراحة مواقفهم المبدئية ضد مفهوم حق التدخل يزاحون الى دائرة الظل، حتى في صفوف الحزب الاشتراكي نفسه، من مثل هيوبرت فدرين وجان بيير شفينمان وغيرهم.
برنار كوشنير، في تصريحه هذا منسجم مع نفسه ومع الخط السياسي الذي ينتمي اليه، خط يجاهر بعدم احترامه للسيادة الوطنية، فلماذا لا يجاهر بعدم احترامه للحقوق الفردية، خاصة عندما يكون اصحابها من ” الاخرين”؟ اوليست هي نظرية الامبراطورية والبرابرة التي تحكم الامم بحكم موازين القوى والضعف، منذ روما الاولى وحتى روما الجديدة، التي ان لم تكن الولايات المتحدة المتربعة وحدها على العرش فهي شمال وجنوب، ظالم ومظلوم، قوي وضعيف.
اوليست هي بالتالي ايديولوجية ابناء الله وابناء الانسان، اليهود والغوييم التي تتاسس عليها الصهيونية العالمية؟
الم يتزامن تصريح كوشنير مع قرارات المجموعة الاوروبية بشان مشاركة اسرائيل في اجتماعاتها واعمالها بشكل يجعلها على طريق العضوية؟