غارودي وغييوم

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 22-08-2000

لم يكن دخول المفكر الكبير روجيه غارودي دائرة الخطر الحمراء مع كتاب الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية، بل قبل ذلك مع كتاب »قضية اسرائيل«.

لكن من يتابع هذا الفيلسوف المناضل يجد انه كلما مضى ابعد في دراساته وتقصيه للحقيقة، قبض اكثر على جمرها. سواء فيما يتعلق باسرائيل او بالولايات المتحدة الامريكية، او بالصهيونية العالمية.

واذا كان هذا الكشف الذي يقوم به الرجل، يستحق عند كل منعطف وقفة تأمل وتحية، فان التحية الاعمق لا بد ان توجه مع انحناءة رأس حقيقية الى هذه القدرة النضالية التي تؤججها نار الانتصار للقناعة، التي يرى فيها صاحبها الحقيقة، وقدرته المقابلة على تقبل الجدل العلمي، وتشريح الرأي والرأي الآخر، بالاعتماد على الوثيقة والمعلومة والتحليل المنطقي العقلاني.

هذا الموقف الذي تدعي الحضارة الاوروبية الحديثة انها تتبناه وتبني ذاتها عليه، تبتعد عنه كليا في واقع الامر، عندما يتعلق الامر باية قضية تتناقض مع المصالح الامبريالية لدولها، هذه المصالح التي يبدو انها تلتقي تماما، بل وتتوحد مع المصالح اليهودية الاسرائيلية.

واذ اقول »يبدو« فلأن واقع الامر ان المصالح الاسرائيلية ـ اليهودية هي التي تتحكم بمصالح هذه الدول، واحيانا، بل وغالبا فيما يتناقض مع مصلحة شعوبها.

فما هي مصلحة المواطن الامريكي العادي في ان يدفع عرقه ضرائب تذهب اسلحة وتبرعات وهبات لاسرائيل؟

بل وما هي مصلحة المواطن الاوروبي في ان تقوض اسس حضارته وفكره ودينه، لتحل محلها المفاهيم اليهودية التي حولت المسيحية الى يهو ـ مسيحية، ورسخت تهويدا فكريا ثقافيا، اقتصاديا، سياسيا، في جميع المجالات لا يستطيع اي مواطن حتى ولو كان مسؤولا ان يعلن رفضه له بشكل حاسم.

وقد رأينا عندما وقف وزير الدفاع الفرنسي جان بيير شفينمان معارضا لحرب الخليج، لا من اجل العراق والعرب، وانما لرؤيته الواضحة، في ان هذه الحرب تصب عكس مصلحة بلاده، على جميع الصعد ومنها تقويض القيم الجمهورية.. انه لم ينجح في ان يحقق اكثر من الاستقالة.

هذا الجانب من الهيمنة هو الذي تحدث عنه بالامس، الى جانب غارودي المفكر والناشر بيير غييوم، الذي يدفع منذ عشرين سنة ثمنا باهظا لمجرد وقوفه الى جانب الحقيقة، حيث تبنى نشر ابحاث المؤرخين المراجعين »الذين يدققون في احداث الحرب العالمية الثانية« منذ روبرت فوريسون الى روجيه غارودي وآخرهم الآن الباحث بوكوفيتش، الذي لم ينفعه اصله اليهودي من النجاة من المحاكمة بتهمة اللاسامية، وانكار جرائم ضد الانسانية، عندما حاول كشف حقيقة الاكاذيب اليهودية.

لقد اعتاد غارودي وغييوم ان يقفا امام قوس المحكمة معا، ويحكما معا، حتى وان كان غييوم قد تعرض اضافة الى ذلك الى اعمال عنف طالته وممتلكاته.. لكنهما جلسا بالامس على منصة اعلان الحقيقة معا، ليقولا ببساطة، بوضوح رؤية، وبعمق، ان الصهيونية خطر على العالم، على ثقافته وحضارته وبقائه، وليوجها الينا نداء ليس فيه اية محاباة، لضم الجهود، والتحالف ضد مجنزرة التدمير.. التي تحتل ارضنا، وتحتل روح بلادهم، وتهدد الانسانية.

حاملين لنا رسالة خطيرة، تقول ان التطبيع مع العدو الصهيوني يعني بداية مرحلة احتلال الروح بعد احتلال الارض.. فيما قد يشكل اسوأ مراحل المعركة.

لكن وجود قوى، مناضلة، وبعلم وصلابة، في مختلف انحاء العالم، حتى ولو كانت تواجه حاليا عنت الصهاينة واللوبيهات اليهودية، بمراكز قواها، وميليشياتها العسكرية، والقوى السياسية المتحالفة معها. اضافة الى وجود التناقضات الداخلية المدمرة في التركيبة الصهيونية اليهودية نفسها، يجب ان يشكل مدخلا قويا، لانقاذ فلسطين والعرب والانسانية من خطر هذا التيار المتحجر العرقي، الخارج على قوانين الطبيعة وعلم الاجتماع والتطور، كما اوضح المناضل غييوم في ورقته.

وتحية مرة اخرى للرجل الذي يحمل سنواته الست والثمانين، وعصاه، وابتسامته ويسعى وراء الحقيقة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون