ليس ابلغ من ذلك في وصف الحملة الرئاسية الاميركية.. هذا الموج الصاخب، الذي لن تقتصر نتيجته على حمل رجل الي المكتب البيضاوي، بل انها تحمله الى اكتافنا جميعا، نحن برابرة امم الحضارات الالفية، الذين اصبح قدرهم الخضوع لامبراطورية البربرية الجديدة.
ليس المؤلم ان دولة رعناء تسيطر على مقدرات العالم، بل ما يزيدها ألما هو ان المواطن الاميركي نفسه، ليس هو من يختار رئيسه، في عملية انتخابات وصفتها الواشنطن بوست نفسها بانها تحولت الى »صناعة ضخمة بيد القطاع الخاص«.
واستنكرها الصحافي المخضرم الشهيد، جول ويتكوفر بانها »سيرورة تحكمها الاجراءات الفوضوية، وتقضمها المصالح المالية، وجيش من السماسرة، الذين لا هدف لهم الا الربح وبأي ثمن«.
على رأس هؤلاء السماسرة يأتي المستشارون الذين يقبض الواحد منهم حوالي مليون دولار، ولا يتورعون عن الانتقال من خدمة مرشح الى خدمة خصمه ونقيضه.
ثم تأتي وسائل الاعلام، حيث يقدر ما سيدفعه كل مرشح للتلفزيونات هذا العام بستمئة مليون دولار.
هذا اضافة الى تفاصيل اخرى كثيرة.. لكن السؤال الخطير لا يتعلق بالذين يقبضون، بل بالذين يمولون، وبالمصالح التي تدفعهم الى مضاعفة ميزانية حملة هذا العام، لتزيد ثلاثة مليارات دولار عن سابقتها.
وسواء اكانت التبرعات مما يسمى بـ »المال الصلب« الذي يقدم للحزب، او »المال السهل« الذي يوضع في تصرف الموظف، فان احدا لا يدفع ماله، دون مقابل.
ومن سؤال.. تتوالد الاسئلة.
اولها ما طرحه الاميركيون على انفسهم: »ما هي اذن قيمة قسيمة الاقتراع، ازاء هذا الطوفان المالي؟«.
والجواب حملته دراسة اجراها مركز شورنستون في جامعة هارفرد، كشفت عن ان ثمانية من كل عشرة اميركيين لم يعودوا يلقون اهتماما للمعركة الدائرة، كما كشفت عن ان 70% من الاميركيين يعتقدون بان من يختار الرئيس هم اصحاب المصالح المالية الخاصة، ورؤساء الاحزاب »المرتبطين بهذه المصالح«.
ولذلك فليس من المتوقع ان تتجاوز نسبة المشاركة في الانتخابات النهائية خمسين بالمئة من الشعب الاميركي.
ليختتم البروفسور توماس باترسون المشرف على الدراسة بالقول:
»لا يعتقد اي اميركي بان اصوات الناخبين هي فعلا حاسمة في اختيار المرشحين«.
السؤال التالي، في توالد الاسئلة، هو ما يفترض ان يهمنا نحن:
»هؤلاء.. اصحاب المصالح المالية، اصحاب المنفعة و»باي ثمن..« ما هي مصالحهم لدينا؟ وعليه كيف سيتجه برنامجهم ازاءنا.. في فلسطين، في العراق، في الخليج العربي، وفي بلاد الشام وسائر العالم العربي، او الشرق الاوسط؟
واية قيمة ستكون، لاختلاف وصول الارستقراطي تاجر النفط، المرتبط وثيقا بالمصالح البترولية، الذي عرف دوره الكبير في بداية التسعينات، هو الذي اسرع لالتقاط الطائر الخليجي، الذي اقتنصه ابوه..
او وصول الثري الاخر، المعروف بتأييده اللامشروط لاسرائيل.
اما السؤال الثاني، والمعمم:
»اية ديمقراطية، ما تزال قائمة في هذا العالم؟ ديمقراطية الـ 99% بالمئة التي نضحك بها على انفسنا، ام ديمقراطية رئىس تكتب عنه مجلة كبرى تحقيقا بعنوان: »ما هو ثمن الرئيس؟«.