اولاد الافاعي

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 10-08-2000

اذا كان الله سبحانه، قد خلق اليهود مميزين وخلق الناس الاخرين “غوييم” واختار اولئك شعبا له دون الاخرين.. فمن الطبيعي ان يوكل اليهم تصحيح الخطأ، بالابادة مثلا.. او الاستعباد على الاقل!!

والخلاص من شر الافعى لا يقتضي دائما قتلها، وانما قد يكفيه نزع انيابها..

ربما يكون لهذا الحاخام – الذي يقرأ التوراة والتلمود كل يوم – مطلق الحق في الا يتخابث، كما يفعل الاخرون، وان يصرح بما يجعل من اليهود يهوديا..

فاليهودية ليست عرقا او اثنية..

ليست انتماء جغرافيا وطنيا..

ليست شعبا بمعنى التعايش التاريخي الممتد، المشكل للوحدة..

انها صفة تعني فقط مجرد الايمان بمفاهيم مشوهة عن بني البشر صفة المساواة، وذاك ما تقوم عليه الاديان السماوية، بل وغير السماوية، والثورات الفكرية والانسانية، وتلغي عن الذات الالهية نفسها صفة العدالة والرحمة والغفران، لتحل التمييز والحقد والانتقام.

فهل قال الحاخام يوسف شيئا لم يقل قبله؟ اولم يقل كاهانا ان الفلسطينيين ليسوا سوى كلاب، وان على الجيش الاسرائيلي ان يعدم فورا كل من يقع في يده؟

الم يحصل بناء على ذلك على 12 الف صوت في الانتخابات؟

الم يرفض الدكتور غولدشتاين معالجة الجرحى العرب في حرب لبنان؟

الم يصر نتنياهو على ان »العنف العربي« ليس ردا على وجود اسرائيل، وانما هو طبيعة ارهابية متخلفة قائمة في تكوين العربي على امتداد تاريخه؟

الم تنبش مقبرة ريتسيون اليهودية بالقرب من القدس، لاخراج جثة امرأة عربية دفنت فيها، بسبب زواجها من يهودي، حيث اعتبر الحاخامات دفنها تدنيسا للمقبرة؟

الم.. تتحرك المظاهرات في الكيان الصهيوني، احتجاجا على استجابة سلطاته لمطالبة فرنسا، بتسليم فرنسي يهودي، قتل مواطنا له »كان ينافسه على ادارة بيوت البغاء والقمار في ليون« وهرب الى اسرائيل، اما شعار الاحتجاج فكان: »هل يعقل ان يسلم يهودي لسلطات اجنبية لمجرد انه قتل واحدا من الغوييم؟«.

ليست القصة قصة افراد، وانما هي عقلية، وقناعة، كل طرح سلام معها، هو من باب الوهم، بل ان كل حل معها لما يسمى بمسألة اللاسامية، او المسألة اليهودية هو سراب.. فالطرح الوحيد، والحل الوحيد، ان يتحرر اليهود من مرضهم العنصري، »فاليهودية هي مرض اسرائيل، بل مرض معظم يهود العالم« كما يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي.

مرض، يعني الشفاء منه، تحول اليهودي الى انسان ككل بني البشر، ينتمي الى البلاد التي يعيش فيها قومية ووطنا، فيكون الانكليزي انكليزيا سواء كان دينه مسيحيا ام مسلما ام ملحدا، ام بوذيا.. ومثله الفرنسي، والبولوني و..

وكذلك يكون العربي عربيا سواء كان دينه مسيحيا ام مسلما ام يهوديا..

هذا في الطرح النظري، لان محمد اليوسفي يقبل به مثلا، لكن ديفيد ليفي لا يقبل..

ولكن..

رغم ذلك كله..

قد يكون لهذا الحاخام الحاقد كل الحق في شتمنا..

فملايين تترك قدر امتها كي يصل الى ما هو عليه، تستحق الشتم.

ملايين تتعامل بهذا التراخي مع قضاياها، وكرامتها، وثرواتها، وشعوبها، وارضها..

دول تمتلك اصواتا في الامم المتحدة يفوق عددها عدد اصوات اوروبا..

وتمتلك ثروات لا يمتلكها نصف الكرة الارضية..

وتمتلك عمقا ضاربا في رحم تاريخ الحضارة الام الاولى..

وتمتلك.. وتمتلك لكنها تترك للفناء او لما هو ابشع من الفناء قدر اجيال العراق، وتترك للضياع ارض وشعب فلسطين.. وتترك للذل هاماتها.. هي فعلا من المخلوقات التي لا تمتلك عامودا فقريا.. وربما تكون الافاعي..

لكن..

من جهة اخرى، نسي الحاخام في عربدته ان الافعى، رمز للحكمة، للدواء وللعلاج، تمثيل اخر في التراث القديم لربة الخصب.. »وليس للشر« فهل زل به اللسان.. ام زلت به الحضارة؟

ام زلت به عقده، تركها ابن مريم، يوم حمل سوطه طاردا اليهود من الهيكل: »اخرجوا من بيت ابي يا اولاد الافاعي وفاعلي الاثم، بيتي بيت الصلاة يدعى وقد جعلتموه مغارة للصوص«.

وها هو الرهان الصعب على الهيكل يتجدد.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون