اذكره جيدا.. لانه كان اول رئيس دولة اقابله رسميا، في حديث خاص، خلال عملي الصحفي.
واذكر جيدا ما الذي قاله لي، وفي سائر تصريحاته، خلال الجولة التي بدأها بالمغرب وانهاها في الاردن، مرورا بدول الخليج عام 1981.
كان فاليري جيسكار ديستان يبحث خلالها، عن دعم عربي لمواجهة الحملة التي بدأ يشنها ضده اللوبي اليهودي في فرنسا، منذ عام 1979 والمعركة الرئاسية على الابواب.
وفي اخر محطة من تلك الجولة، لم يبد الرئىس الفرنسي مرتاحا كليا.
عاد الى فرنسا، ليجد الحملة المبرمجة المنظمة تستعر، ملصقات يحمل احدها صورة انفجار نووي مدمر، وتحتها عبارة »اوزيراك: جيسكار هو السبب«.
كما يحمل اخر صورة لديستان ينظر بالمنظار الى مكان ما، وتحت الصورة عبارة: ديستان ينظر الى اسرائىل من الاراضي الاردنية. في اشارة مزدوجة الدلالة: اولا التذكير بأنه زار الدول العربية دون ان يزور اسرائىل، وثانيا انه ينظر الى القضية بالمنظار العربي »علما بأنه تبين فيما بعد ان الصورة لم تؤخذ في الاردن«.
ولتأخذ تلك الحملة عنوان »العملية ضد جيسكار« بقيادة منظمة التجديد اليهودي، وعلى رأسها هنري هاجدنبرغ، وباشراف افي بريمور (1) المبعوث الاسرائيلي المكلف بتنظيم الجماعات اليهودية كقوة ضاغطة في هذه الانتخابات كما كتبت في حينها مجلة »المنبر اليهودي« التي اضافت بعد نتائج الانتخابات: »انها الضربة الموفقة: مقاطعة جيسكار انتخابيا.. لقد صرخ التجديد: هذا كثير! كثير جدا! وسقط ديستان، ومنذها اصبح اليمين يخشى الصوت اليهودي كما يخشى الطاعون«.
واذا كان بعض القادة اليهود التقليديين في فرنسا، قد اعترضوا في حينها على مفهوم »اللوبي« و»الصوت اليهودي« فلسببين حددهما غي روتشيلد وآدام لوس، يتلخصان في ان القول بذلك علنا يؤكد الاتهامات التي يطلقها البعض ضد اليهود، كما انه يؤكد سيطرة منظمة التجديد على المنظمات اليهودية الاخرى في فرنسا.
اذن لسببين: احدهما اعلامي، والاخر يتعلق بالصراعات داخل اللوبي اليهودي نفسه.
ولسبب ثالث بالغ الاهمية السياسية عبر عنه روتشيلد بقوله: ان مبالغات وتجاوزات التجديد اليهودي تخفف، بل تلغي ذنب مبالغات جيسكار.
المهم سقط الرئيس الديغولي، ووصل اليسار الاشتراكي، وصفق العرب ببلاهة لميتران »صديق العرب«.
ميتران الذي كان ابنه يعيش في كيوبوتز في الارض المحتلة، والذي اعترف وهو يتردد في جعل اسرائيل محطة زيارته الاولى او الثانية من رئاسته، بان هذه الزيارة هي السابعة.. وجاء معه جاك اتالي اليهودي الصهيوني مستشارا بالغ النفوذ، اصر على ان يحتل مكتب ديغول، وان يؤثث للرئيس مكتب جديد.. جاء فابيوس اليهودي الاخر رئيسا للجمعية الوطنية، ومثله جوكس للداخلية، وعدد كبير مثلهم في مواقع مختلفة، وتربع اللوبي اليهودي – المتربع اصلا على ظهر الحزب الاشتراكي – على سدة الدولة.
في عام ،1990 عندما ابدى ميتران ترددا، بشأن الموقف من حرب الخليج، ذكره الكاتب اليهودي موريس صفران بكل ذلك، مهددا بذات المصير، وذلك في افتتاحية مجلة الاكسبرس.
ما الذي يعيدني الى كل هذا؟
ما نشرناه في عددنا ليوم السبت على لسان الرئىس الفرنسي الاسبق والذي لا يدرك جرأته واهميته، الا الذي يعرف واقع الاستشراس اليهودي في الحياة السياسية الفرنسية.
امور بالغة الاهمية تحدث فيها الديغولي الاصلاحي، لكن اهمها يندرج في النقاد التالية:
– تحليله العميق الموضوعي لسبب تجزئة امتنا على يد الاوروبيين، وربط حالة التجزئة هذه بالصراع مع اسرائيل.
»بعد التتريك ظل العرب عربا، ففهم الغرب انه لا بد من ضبط اية حالة عربية تعيد للمنطقة القها«.
– تحليله الجريء للمأزق البنيوي الذي تواجهه اسرائىل وخلوصه الى انها انتهت استراتيجيا.
– عبوره البالغ الجرأة، في تحليل هذا المأزق الى نقد الطابع العقائدي، والنص الايديولوجي والخلوص الى انه »آن الاوان للتعامل مع هذا النص بحيث يكون في خدمة الحالة البشرية بدل ان تكون مرتهنة له«.
– وتبلغ الجرأة ذروتها عندما يعلن ان هذه الازمة من نوع خاص، لانها تصدر عن »ارضية ايديولوجية نعتبر انفسنا معنيين بها جميعا«.
فيما يعني بعبارة بسيطة اخرى التطرق الى خطر اليهودية والصهيونية على العالم اجمع.
اخيرا:
عندما طلب جيسكار عام 1980 من الزعماء العرب دعمه، رد عليه احدهم »وانت أتريد ان تكون ملكيا اكثر من الملك«.
(1) بمريمور شغل عام 1995 منصب سفير اسرائيل لدى المجموعة الاوروبية.