أربع كلمات ورجل… واهم حدث اوروبي بعد الحرب العالمية الثانية.
فعندما وقف هلموت كول قبل عشر سنوات في دريسدن معلنا (Wir sind ein volk) »نحن شعب واحد موحد«، كان يعلن في الواقع انتصار المانيا، بعد هزيمتي 1916 و1945، ويعلن بذلك عودة الدولة الاوروبية الاقوى والاولى الى موقعها ودورها.
مهندس الوحدة الالمانية هذا، بيسماركها الثاني، ممنوع من حضور الاحتفال العاشر بذكراها، الذي سيتم في الموقع نفسه في 3 تشرين الاول القادم، بل انه بالأحرى ممتنع.
السبب ان منظم الاحتفالات رفض ان يعطيه حق القاء كلمة. واكتفى بأن وجه اليه بطاقة دعوة، مثله مثل سائر المسؤولين.
الجدال العنيف اندلع على الفور، خاصة في صفوف الحزب المسيحي الديمقراطي، بين »الاوفياء« الذي ساءهم هذا العقوق، وبين الخصوم التقليديين الذين يستشرسون في تصفية حساباتهم مع الزعيم الابوي.
لكن الموقف الذي حسم الامر هو موقف كول نفسه: »الوحدة الالمانية هي التي يجب ان تشكل الحدث المركزي لهذا اليوم«. وليس الجدال حول شخصي أنا، أو حول اية قضية اخرى.
و»تصغر في عين الكبير صغارها«.
انهم الكبار، رجال التاريخ، الذين يتحدد حجمهم بحجم منجزهم، فتبدو كل تفاصيل اخرى الى جانبه باهتة وتافهة.
اولئك الذين يفلتون من قصر النظر السياسي، لانهم ينظرون بمنظار التاريخ، ومن منظوره، وبعيون أممهم لا بعين ذاتهم، حتى اذا ما وضعوا الدمغة على جبينه، واطلقوا نهر حدث تأسيسي هادر، اطمأنوا الى ان ما من شيء يمكنه وقف تدفقه، والى قدرته على جرف كل ما يعترض طريقه، كما اطمأنوا الى وفاء التاريخ، الذي لا يملك افراد ولا جيل التعرض له…
فهل استطاعت مأساة اقصاء ابن الوليد، ان تمحوا اسمه عن اليرموك وما قبلها أو ما بعدها، أو ان ترد سيف الله المسلول الى غمده؟
وأياً تكن ظروف الاتهامات المؤدية الى اقصاء سيف الوحدة الالمانية، والتي بدا واضحا انها لا تشكل قضية فساد، وانما قضية صراع نفوذ سياسي، حيث ان كول لم يتلق التبرعات لجيبه وانما لحزبه، لكنه خالف بذلك القانون الالماني، مما استغله الخصوم لتحريك القضية ضده، الخصوم داخل حزبه اولا، في عملية صراع اجنحة ومراكز قوى. ومن ثم الخصوم في الصفوف الاخرى. مما يرتبط في الظاهر بالتمرد على قيادة بطريركية، لكنه يخفي في العمق قضايا اكثر خطورة، لا تقتصر على الصراعات الداخلية.
أياً تكن هذه الظروف، فان التاريخ لا يمكن ان ينزل اسمه سطراً واحداً عن سوية بيسمارك.. ولا قيمة في ذلك لكونه حضر احتفال الذكرى العاشرة أم لم يحضر.
هذا رغم ان مؤيديه قد تمكنوا من جعل الحزب يتخذ قراراً باقامة احتفال آخر يكون فيه كول خطيب الشرف.
المهم.. هل بين قادة امتنا المنكوبة لا بشطرين، بل بالتشطير، من يقرأ تجربة كول؟
هل منهم من قرأ ما قاله الرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان قبل ايام ان الغرب الذي شعر ان التتريك لم يستطع ان يلغي هوية العرب، قد قرر ان يقسم المنطقة؟
واذا كان تشريح جثة الهلال الخصيب على مائدة سايكس بيكو، وسائر المنطقة العربية على موائد اخرى، قد تزامن مع أول هزيمة لالمانيا، كما تزامن اغتصاب فلسطين مع ثاني هزيمة لها، وتقسيمها… أفليس لنا ان نقرأ جيداً تجربة موحدها؟
ونحلم بكول عربي..