لن نغير موقفنا من العراق حتى يغير موقفه من دول المنطقة.
هكذا تقول بريطانيا على لسان برلمانييها.
اما من هي “دول المنطقة”؟
فامر آخر..
فهي ليست فقط دول الخليج العربي التي لم ينجح شيء كما نجحت الفزّاعة العراقية، في “تشليحها” اموالها ونفطها واراداتها.
اذ لو كانت هي المقصودة لقيل: “دول الخليج العربي”.
فكما ضاع المصطلح القومي في تراخي “الشرق الاوسط” كي تشمل التسمية اسرائيل. كذلك يعوم ويغيم مصطلح “دول المنطقة” للسبب ذاته.
ليقول، ببساطة، شيئاً أساسياً ومختصراً، قاله جورج بوش الابن (والابن سر ابيه) ولا بد ان يقوله آل غور ايضاً، يتلخص في كلمتين: “اسرائيل” و”النفط”.
لا سبب، كان، للحرب إلاّ هما..
ولا سبب لاستمرار الحصار الاّ هما…
ولن يكون هناك سبب لتفكيك الحصار الا الانصياع لشرطيهما.
هذا في الحسابات الامريكية، اليهودية الاسرائيلية.
وطبيعة الامور ان يبني كل طرف حساباته على مصالحه.
اما في الحسابات الاخرى، العراقية، العربية (ولا نقصد بالعربية هنا مواقف الانظمة المرتخية الركب، المغلولة الايدي، وانما العرب بمصالحهم، وشروط بقائهم). فان الانصياع، لا يعني فقط التنكر لكل كرامة، ولكل القناعات، والارتهان السياسي، وانما يعني، وبحسابات المصالح المجردة، خسارة العراق لنفطه، ومائه (وقد يكون الماء أهم من النفط) بل ولكل المعادن التي ماتزال مخبوءة في باطن ارضه، لصالح استثمارات غربية – اسرائيلية. واستلقائه على ظهره، سوقاً مفتوحة، هائلة، سواء في عدد مستهلكيها، ام في طبيعتهم الاستهلاكية وقدرتهم.
ولكن،
اذا كانت القيادة العراقية تفهم ذلك جيداً، وتحاول جاهدة ان تصمد، وتلعب على ما هو ممكن من مسارب الالتفاف السياسي، فان الوضع الداخلي، سواء على المستوى الاقتصادي للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بتوفر الحاجات الاساسية، أم على المستوى الثقافي والعلمي والتكنولوجي، ام على المستوى السيكولوجي، لا يحمل لنا امكانية الاجابة عن السؤال الرئيسي: الى متى؟
الى متى سيستطيع هذا الشعب ان يتحمل؟
وحتى لو تحمل (مجبر أخاك…) فهل يمكن تجنب الاستحقاقات الحتمية الناجمة عن هذا التردي القسري؟
وهل على العراق ان يقف امام الخيار الصعب: اما الذل والارتهان، وإما التخلف؟
اما الحل.. فلا يمكن أن يأتي من خارج، إلاّ إذا بدأ وانطلق من داخل، داخل العراق، وداخل العالم العربي نفسه.
مما يعني ضرورة قيام مبادرات عربية، على تحدي الحصار، واختراق ثغرات قرارات المنظمة الدولية ومجلس الامن، لحلحلة العقوبات وتتفيهها.
أفلا يبدو من المستغرب، على سبيل المثال، ان تتحرك فئات فرنسية، لترتيب رحلة طائرة من باريس الى بغداد، بالاستناد الى عدم وجود حظر قطعي على ذلك في قرارات مجلس الامن. دون ان تتنبه لذلك اي جهات عربية، في مبادرة قد يكون من الافضل ان تكون مختلطة، اي من اكثر من دولة عربية.. لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق بالدلالة القومية للتحرك، ومنها ما يرتبط بالتكتيك السياسي.