مذهلة قدرة هذه الامة على الانتظار، حيث يجب التحرك، وقدرتها على الهرولة حيث يجب التريث.
ننتظر ان تتفاقم التناقضات داخل المجتمع الاسرائيلي »دون ان نفعل شيئا لتفعيل تفاقمها، بل اننا نساعد في خلق ظروف علاجها ودرئها« وان تؤدي هذه التناقضات الى تفجير اسرائيل من داخل، دون عناء منا، وكفى الله المؤمنين..
ننتظر ان يستمر ويتصاعد تمادي يهود اوروبا وامريكا في ابتزاز المجتمعات التي يعيشون فيها، والتصرف، لا كمواطنين في هذه المجتمعات لها ما لكل مواطن وعليها ما عليه، وانما كقوى ضغظ »لوبي« متغطرسة، جائرة، تقمع، وتدمر وتبتز وتصادر، من الافراد الى الدولة، ومن وسائل الاعلام الى مؤسسات الاقتصاد والثقافة، الى ان تتشكل لدى هذه المجتمعات ردة فعل على هؤلاء، تصب في صالحنا، ماء زلالا يسقط في حلقنا دون ان نفعل شيئا الا فتح الافواه، وتكثيف اليدين، ومراقبة الذباب الهائم في فضاء الغرفة.
ننتظر ان تهب المروءة الميركانتيلية، في صدر وزير خارجية فرنسا، في حكومة الحزب الاشتراكي، الذي خاض الحرب ضد العراق، بلا اخلاقية دفعت الرجل الشريف في صفوفه الى الاستقالة من منصب وزير الدفاع »ومن كتابه عن هذه الحرب، استعرت وصف الموقف الفرنسي من العراق بالميركانتيلية المكيافيلية«، وتدفع فيدرين الى دعوة مبطنة الى رفع العقوبات عن العراق.
وكأنما تغيب عن البال ثلاث ملاحظات هامة:
اولها خضوع الحزب الاشتراكي الفرنسي كليا الى سيطرة اللوبي اليهودي، وانتماء معظم رموزه الى هذا اللوبي او خضوعهم التام له، اذ لم يكن فابيوس اليهودي، وجوسبان المعروف بخضوعه لتأثير زوجته اليهودية، مثلا اكثر التزاما باسرائيل من بيير جوكس، او فرانسوا ميتران الذي زار اسرائيل سبع مرات قبل ان يصل الى الحكم، وارسل ابنه ليعيش في احد الكيوبوتزات.
وعندما نشير الى ارتباط اليسار الفرنسي باسرائيل، لا ننسى ان رجل اليسار الاسرائيلي الحاكم الآن، هو صاحب النظرية القائلة بان الخطر لا يأتي من الفلسطينيين، بل من العراق وايران.
نظرية لم يحتفظ بها باراك في ادراجه، وانما ضمنها بوضوح، في برنامجه الانتخابي المعلن، وثانيها، ان فرنسا، باستثناء مقعد مجلس الامن، لم تعد تشكل ثقلا كبيرا على الساحة الدولية، وحتى الاوروبية، وذلك نتيجة للسياسة البلهاء التي انتزعتها عن عرش الاستقلالية الذي نصبه شارل ديغول، الى اذيال التبعية الامريكية التي ربطها به ميتران. وذاك ما يعيه الوطنيون الفرنسيون من يسار او يمين، ويناضلون جاهدين لاصلاحه، لكن الامم لا تمنح كثيرا من الزعماء الكبار… الذين يكبرون بها وتكبر بهم.
واذا ما عدنا الى الدور الاساسي الذي لعبه، يهود فرنسا، وتبجحوا به، في ضرب خط الاستقلالية، والتوازن في العلاقة بين العرب واسرائيل، والذي حقق هدفه باسقاط فاليري جيسكار ديستان، تذكرنا ان من ابرز الملصقات التي رفعت ضد ديستان، واحد وزعته منظمة التجديد اليهودي، ويحمل صورة قنبلة نووية متفجرة وتحتها عبارة: »العراق: القنبلة، جيسكار هو المسؤول« وملصق آخر يحمل صورة ديستان وهو ينظر بالمنظار وتحتها اشارة الى انه يقف على ارض الاردن وينظر الى اسرائيل.
لا يعني هذا كله انه ليس على الديبلوماسية العراقية ان تلعب دورها مع كل الجهات، حتى الاميركيين.
لكنه يعني ان الجهة الوحيدة المؤهلة، والمطالبة بحلحلة الحصار الذي لا يدمر العراق وحده، وانما مقدرات وقدرة الامة كلها، هي الدول العربية.
فهل ان من سوء حظ العراق انه لا يمتلك وجها آخر، افريقيا، ليستحق مبادرة تتحدى حصاره؟