لم اقرأ ما كتبه الزميل طارق مصاروة عن قضية الدكتور سعد الدين ابراهيم، وقرأت معظم ما كتبه الآخرون..
لكنني استطيع ان اتوقع تماما ما الذي كتبه ابو علي.
فهو الزميل الذي اشرت اليه في مقال السبت الفائت في هذه الزاوية حول شروط التمويل الاجنبي، هو الذي طرح السؤال في الاجتماع المذكور في برلين، مستعملا حتى كلمة »عملاء« لوصف »الممولين« »المدعومين«.. دون ان يثير استعماله هذه الصفة اية ردة فعل لدى محاورنا في المؤسسة المضيفة، بل ان كل ما حرص على التأكيد عليه هو ان »الممول« يمر بانابيب اختبار، ويخضع للمراقبة الدائمة، والا..
وعندما اعتقدت انا انني احرج الرجل بالقول ان الاعتراض المركزي هو على المعايير التي نلاحظ اعتمادها، ملخصة اياها باربعة:
ـ الرد على حزب او على منظمة فدائية او سياسية.
ـ تشويه الاسلام، دون تمييز بين الاسلام كحضارة انسانية عظيمة، وبين ارهاب اصولي »غالبا ما تعمم صفته على من ليسوا كذلك«.
ـ تشويه صورة المرأة العربية
ـ التطبيع مع اسرائيل
لم يحرج الرجل ابدا، وكانت ردة فعله الوحيدة التأكيد على ان هذه المعايير هي فعلا معايير التمويل الذي يعطى لمؤسسة عربية.
في جلسة اخرى في المؤسسة نفسها، سألت الزميلة محاسن الامام عن امكانية تمويل دورة تدريبية للاعلاميات في مركزها، وكان الجواب الواضح: يصبح تقديم هذا الدعم ممكنا اذا كانت الدورة مشتركة بين متدربات اردنيات وعربيات ومتدربات اسرائيليات. وعندما رددت متسائلة:
أليس من الافضل ان نجمع متدربات من دول عربية مختلفة، لانهن ذوات ثقافة واحدة وظروف متشابهة؟
لم يكن الرد ايجابيا، بل ان النقاش الطويل وصل بالمحاور الآخر الى القول: ربما كنتم على حق، ولكن هذه سياسة المؤسسة.
هذا من حيث المعايير، اما من حيث المبدأ نفسه، فان دور مراكز الابحاث هذه، ليس في العمق الا اعتماد وسائل علمية اكاديمية، والافادة من الباحثين وخاصة الشباب، في التغلغل في كل شرايين المجتمع وشعابه، خاصة المناطق الشعبية للقيام بمهمة مزدوجة: جمع المعلومات وتنسيقها ضمن سياق علمي توثيقي.. وبث المفاهيم والافكار المطلوب بثها..
كل ذلك ضمن نظام »انابيب الاختبار، والرقابة الدائمة« التي تحدث عنها المسؤول الالماني.
واما الحجتان الباهتتان اللتان يسوقهما المحامون الفاشلون، لغرض في نفس يعقوب، وهي ان الدول العربية نفسها تأخذ تمويلا اجنبيا، وان كثيرين كانوا سابقا يتلقون دعما من الشرق ومن بعض الدول العربية الغنية.
فبالنسبة للاولى: الدول تنشىء جيوشا، واجهزة مخابرات ومحاكم وسجون.. فهل يسمح لكل من اقتدر على انشاء جيشه الخاص ومحاكمة وسجن جاره ومراقبته.. الخ.
الدول يدرج تمويلها وقروضها ضمن خطة سياسية معلنة واضحة ومعروفة، لك ان تعارضها ولك ان تؤيدها، فما خطة هؤلاء الذين اصابتهم الصحوة المفاجئة بمجرد ان امتلأت جيوبهم، ثمنا لخدمة خطط دول اخرى.
الدول تتعامل فيما بينها، ببساطة مطلقة، وفق علاقات مصالح، فكيف تدفع مؤسسة في دولة ما، مالها، لخدمة مصلحة دولة اخرى؟ واذا ما تقاطعت المصلحتان، فاين يقف هؤلاء الموظفون او »المتعهدون«؟
اما الحجة الثانية، فانها مضحكة، لأن ما ينطبق على الشرق ينطبق على الغرب، وطالما ادناه في حينه، غير ان اغرب الغرابة ان اكثر اساطين التمويل الاجنبي الآن، والمدافعين عنه، حتى من الزملاء، خاصة لدينا في الاردن، هم من اولئك الذين كانوا حتى الامس القريب ابواقا لهذا »الشرق« الذي يعايروننا به الآن.. وبلمسة دولار تحولوا، كما وصفهم مسؤول مؤسسة اديناور الى »مرتدين مصلحين«.
ثمة مثل شعبي يقول »ان الشحادة مكسب لكن وقفة الباب صعبة اما من تعودها هانت عليه«.
وتظل القضية، الخاصة، قضية سعد الدين ابراهيم التي لن يتسع المجال هنا بشأنها الا الى سؤالين:
ـ بأي حق نستبق نحن حكم القضاء المصري في قضية ذات علاقة بسيادة مصر.
ـ الم تكن زوجته الامريكية اليهودية، سارة، من اول من حمل حقيبة التمويل الاجنبي عبر مؤسسة فورد، في العالم العربي، وهنا لدينا، ودقت بها الابواب قبل عشرين عاما؟