عيب!

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 30-07-2000

غير معقول! هذا اول ما يتبادر الى ذهنك وانت تستيقظ على صوت اطلاق الرصاص، ابتهاجا.. بالتوجيهي..

ليلي ذلك السؤال البسيط: حتى الشهادة الجامعية الاولى، لم تعد اكثر من تأشيرة اولية الى عالم العلم.. وهذا التوجيهي الذي لا يتعدى، كما يقول الناس، محو الامية، ما هي قيمته في مجتمع يسجل النسب المرتفعة من التعليم، والتعليم العالي، كما هو حال مجتمعنا؟

ما معنى شهادة ثانوية، في بلد يتظاهر فيه حملة الدكتوراة، احتجاجا على البطالة؟

ولكن..

الا تقول لنا مظاهر اطلاق الرصاص هذه بان كل العلم، وكل الشهادات، لم يستطيعا القضاء على تخلفنا، ولا فكفكة عقدنا ومكبوتاتنا التي تنتظر اي ثقب لتنفذ منه بهذه الفجاجة.

اجل لسنا كلنا كذلك، بدليل حالة الانزعاج العام، ولكن مراقبة متأنية لخريطة هذه السلوكيات، انسانيا وجغرافيا، تقدم اثباتا اضافيا على انه لا علاقة للتطور المادي وحتى التعليمي بالتطور الثقافي الحضاري.

فانا اسكن مثلا ام اذينة، وفي شارعنا المرشوش فيلات انيقة هزتنا اكثر من »رشة« تخلف.

صحيح اننا كثيرا ما تحدثنا عن ذلك بخصوص الاعراس وربطنا الامر بعادات متخلفة، وبفهم رجعي مشوه للرجولة والقوة.

لكن عبورا الى عمق ابعد في السيكولوجية الجمعية، يقود الى ان هذا الفهم، يتركز اكثر بفعل حالة العجز التي تنخر روح المواطن، كما في سائر العالم العربي.. فيعوض عنها بمظاهر قوة وهمية، مفتعلة، اعتباطية، وهمية.. كل شيء يقول له: انت صفر، انت لست موجودا، فيبرم شاربيه، ويستل مسدسه، ويصرخ: ها انا.. انا هنا.. اتحدى كل شيء، حتى الدولة.

والرصاص الذي لم يحرر فلسطين، ولم يفعل شيئا للعراق، ولا لأي مسحوق عربي، ينطلق في الهواء، ليرعب الناس ويجبرهم على الالتفات الى مصدره، ويغل يد الدولة، بحجة ان من حق الناس ان يفرحوا..

لكن الفرح، كالالم، حالة يختلف التعبير عنها باختلاف المستوى الحضاري، للفرد، وللمجتمعات.

اما اذا كان هؤلاء المتجاوزون يريدون ان يقولوا للمشرفين على الامتحانات: لقد نجحنا رغم كل تعقيد الاسئلة والامتحانات، فان مظهرا آخر للتخلف والجهل يظهر هنا ـ ويعيدني الى تجربتي الطويلة في العمل التربوي ـ اذ ان المطلوب الحقيقي ليس تسهيل الامتحانات، والمشكلة الحقيقية ليست صعوبة الاسئلة، وانما القضية الكبرى هي تعديل منهاج تربوي عقيم لا يقوم الا على مصادرة العقل والابداع والابتكار، وتدجين الطلاب ببغاوات خانعة، وتشييئهم اشرطة تسجيل، يضغط عليها مرة لتسجل ما يمليه، المنهاج والمدرس، في تكرار ممل، ويضغط عليها مرة ثانية في قاعة امتحان، لتفرغ ما فيها على الورق.. وبعد ذلك، على الدنيا السلام.. والنتيجة »كرتونة« هي منتهى آمال معظم اولياء الامور، ووراءها.. لا تعديل ولا تطوير على البنية الحضارية لحاملها.. للانسان.

قد يقال: ليس كل اساتذتنا هكذا، ليس كل طلابنا هكذا، ليس كل اولياء الامور هكذا.. اجل.

ولكن، وبصراحة: الاستاذ المختلف يعاني من الوزارة، والمنهاج، والادارات، والزملاء واولياء الامور..

والطالب المختلف مضطهد، لانه متهم في اذعانه وامتثاله الفكري والتربوي.. لانه يريد ان يكون هو.. ان يكون انسانا لا شيئا هلاميا قابلا للقولبة.

اما اولياء الامور ـ الندرة ـ المختلفون، فهم نخبة طليعية، تعاني في صراعها لتغيير السائد.

وكلهم يسبح عكس التيار، يسير عكس السير، الذي يصر على السير عكس الحضارة..

ويظل السؤال: لماذا يفلت هؤلاء المجانين، الذين يفرضون علينا خطرهم، ورعبهم وازعاجهم النفسي قبل المادي من مساءلة اجهزة الامن والقانون؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون