الاوروبيون يتجاوزون الحدود القومية، لانشاء تكتل يستطيع ان يشكل وزنا في عالم العولمة الاميركية.. دون ان يعني ذلك لهم الغاء لخصوصياتهم الوطنية.
»ان الدولة القومية قد تكونت واستقرت لدينا، ولذلك لم اعد انا كمواطن اخاف من اوروبا، على خصوصيتي، بل افهم انها مصدر قوة يساعدني على الا اذوب في طوفان الامركة، وان احتل مكاني على طاولة تقسيم الحصص الاقتصادية، وبالتالي السياسية في هذا العالم«.
هذا ما يقوله لي باحث سياسي معروف، متحمس للوحدة الاوروبية.
واذا كان هذا الباحث واحدا من رجالات اليمين، فان صوت اليسار المتمثل في رئيس الوزراء الفرنسي، ليونيل جوسبان، قد تبنى المنطق نفسه خلال زيارته الهامة الى اليابان، حيث تحدث باسهاب عن تكتل اقتصادي اوروبي – اسيوي، فرنسي – ياباني يحترم الخصوصيات الثقافية والوطنية، ويقوم على التعاون لا الهيمنة.
الافارقة، يحاولون بدورهم، ان يتوصلوا الى تكتل مشابه، فهم وان كانوا قد اعترضوا على الاسلوب »القفزي« الارتجالي الذي اعتاده العقيد القذافي، الا انهم لم يعترضوا على المبدأ.
الكوريتان تتجهان – رغم كل الذاكرة المرة – الى تعبيد طريق الوحدة، لا بدافع عاطفة قومية واضحة فقط، وانما وعيا لواقع انه في منطقة دول بحجم الصين او الهند او الباكستان، لا طريق الى القوة الا تشكيل وزن مقابل.
باختصار: كل في هذا العالم كله يبحث عن مكانه، الا نحن، فلا دولة – امة، ولا تشكل قوميا، ولا توجه لاية صيغة وحدوية، ولو هزيلة.
ففي نشرة اخبار واحدة، حديث عن ضرورة استكمال ترسيم حدود الكويت، ونزاع الحدود بين قطر والبحرين، وغضب بعض اللبنانيين من انشاء صناديق اقتراع للسوريين في لبنان، واشارات مبطنة الى العلاقة الاردنية – الفلسطينية… ومهزلة ما يسمى بتحقق هذا المسار على حساب ذاك.
لسنا رومانسيين لنعود الى دعوة الرئيس القذافي، وكثيرون سبقوه الى وحدة فورية، تعلن ببيان، على طريقة الانقلابات السعيدة الذكر…
ولسنا نرى الامور من منظار حماسي واحد، لنتغاضى عن الاسباب السيكولوجية لقلق جميع الكيانات التي ذكرنا، وخوف واحدها من الآخر، او من الآخرين.. هذا القلق المرتبط بطبيعتها المفتعلة، الكرتونية، التي لم يستطع السياق التاريخي الطويل الذي تكاتفت فيه مصلحة الانظمة مع مصلحة الاجنبي واسرائيل، في طمأنة احد، الى ضمان بقاء المفتعل. لكن علينا ان نعترف، وبمرارة، ان هذا السياق قد نجح تماما في زرع حذر مشوب بالرعب والكراهية في صدر الجزء الاكبر من المواطنين، احساس كان للحكام وانظمتهم، ولاسلوب تعاملهم سواء مع مواطنيهم، او مع الاقطار الاخرى، وخاصة خلال محاولات وصفت بالتوحيد، فاذا هي لا تتجاوز الغزوة او الهيمنة..
فمن اين نبدأ؟..