الموج الاسود ينحسر ببطء شديد.. حتى لو ان جزره اعجز من ان يمحو السواد عن رمال الشاطىء، التي كانت يوما ذهبية، او يفترض بها ان تكون..
ملامح التقارب السوري العراقي، التي ترتسم بعقلانية هادئة، تعكس نتائج دروس قاسية تعلمها الطرفان، دروس لم تكن تحتاج عبقرية سياسية لتقرأ انني »اكلت يوم اكل الثور الابيض«، وان الفرار لن يضمن نجاه سعد، بعد هلاك سُعيد، وان ضمان بقاء هذة الرأس مرة، وتلك مرة اخرى فوق كرسي سلطة، لن يضمن باي حال من الاحوال، بقاء رأس الوطن فوق جسده!
وهل ينفع الامر بعد خراب البصرة؟
لا بأس! فمن الافضل ان تصل متأخرا على الا تصل ابدا..
هل كان علينا ان ننتظر دمار العراق، بكل تجليات الدمار، واخطرها دمار الانسان، وعزله واقعيا وسياسيا، وارتهانه سياديا واقتصاديا، وان ننتظر انطباق الكماشة الخانقة على سوريا، لنشهد بداية ارتفاع القطيعة، ولنسمع انضمام صوتين مخنوقين يجهدان ليكونا معا صرخة في حين كان بامكانهما ان يشكلا يوما سمفونية رائعة؟
هل.. وهل..
لكن ما كان قد كان.. ومهما تكن صعوبة نسيانه، ورتق جراحه، فان ضرورات واخطار الحاضر والمستقبل تفرض تجاوزه والاعتبار به.
لنقلها بصراحة:
مخطئة كانت القيادة السورية يوم وقفت في حفر الباطن.
ولكن هل يبرر ذلك وقوف اي كان اليوم، في حفر باطن جديد ضد سوريا الوطن: الارض والشعب؟
حكيمة كانت القيادة السورية في دعمها للمقاومة الوطنية اللبنانية، وحفاظها على وحدة المسارين اللبناني والسوري، كي تؤمن تحرير الهضبتين المحتلتين: الجولان والجنوب اللبناني فيكون لدماء شهداء الجنوب ثمنان لا ثمن واحد..
فهل يجوز لاحد الالتفاف على هذا المنجز وتفشيله؟
واذا كانت خطة »الخطوة خطوة« الكيسنجرية قد سجلت اخطاء جسيمة في خطوات سابقة، فها نحن الان امام الخطوة اللبنانية، فالسورية، والرهان الصعب، هو على قدرتنا على تجنب اخطاء الماضي، وفي مقدمتها الاستسلام للاستفراد.
هذا اذا كان بمقدورنا ان نتعالى على انقساماتنا، وصراعاتنا الصغيرة الحقيرة..
اذا كان بامكان الانظمة ومن حولها ان تتحرر من غيرة مريضة، تجعلهم يأبون ان يحقق شقيق ما عجزوا عنه هم.
اذا كان بامكان الليبراليين العرب، ومن ورائهم الطابور الخامس المعهود ان يعوا السؤال:
كل الانظمة العربية ديكتاتورية، ولكن لماذا لا تتذكرون ديكتاتورية نظام وسيئاته الا عندما يقرر اليهود والامريكيون ضربه، لاستكمال فتح الطريق امام المجنزره الاسرائيلية؟
اذا كان بامكان كل المخلصين ان يعملوا على تحقيق صيغة طرحها رئيس الوفد السوري الى اول اجتماعات المتعددة، تقول:
»ان خطا يمتد من بيروت الى البصرة، ويتصل بايران، لاهم بالنسبة الينا، من اي خط متوسطي او شرق اوسطي.
هذا اذا اردنا الا يكون مصيرنا امام زحف دبابات السلام، ما كانه مصيرنا امام دبابات حزيران.