اشياء صغيرة، تقع في زوايا الامور الكبيرة، لكنها تساويها بدلالاتها، بما تثيره في الذاكرة من استدعاء عناصر الربط والتحليل..
اشارات صغيرة تقع في زاوية الاحداث السياسية الطاغية الكبيرة، وتقودنا لملمة خيوطها الى اكتشاف ان الكبير مختزل في الصغير، وربما مرتبط به بعلاقة سببية تجعل الاول – ولغرابة الامر – تابعا للثاني.
اخبار صغيرة، كلمات، جمل مبثوثة هنا وهناك، في ثنايا الصحيفة اليومية، الضاجة بالعناوين الكبيرة، تختزن الدلالات، تستدعي مثيلتها في الذاكرة، كما تستدعي لملمة الخيوط..
قبل ايام، استغرب العديد من القراء بل والزملاء، التقاط دعوة لم ينتبه اليها الكثيرون، صدرت عن وكيل وزير التعاون الدولي في السلطة الوطنية، لتدريس الهولوكوست في المدارس الفلسطينية والعربية، كما لم ينتبهوا الى ربطها باجتماع هذا »الوكيل« بيوسي ساريد، وربط ذلك، بمقررات مؤتمر ستوكهولم اليهودي التي تمحورت حول قضية تدريس الهولوكوست، وارتباط ذلك ايضا بالمطلب الستراتيجي الاسرائيلي الاساسي، حول تعديل المناهج التربوية العربية، لانتزاع »روح العداء«.. ولتأتي اساطير الهولوكوست، فتحل محل العداء والنقمة، التعاطف والشفقة والتقبل.. واخيرا ارتباط كل ذلك تكتيكيا بدعوة ساريد نفسه الى تدريس قصائد محمود درويش في اسرائيل تلك الدعوة التي لم تكن الا طعما، اسرع الى التقاطه السمك الغبي.
في الثنايا ايضا، وفي عدد الامس، خبر تناقلته وكالات الانباء، عن هجوم نازيين جدد على كنيس يهودي في المانيا، وهي حادثة تذكر بمثيلتين لها، (ترد تفاصيلهما في الكتاب الذي تعرضه الدستور هذه الايام تحت عنوان: محاربو اسرائيل)، الحادثة الاولى، هي اشهر حادثة اعتداء على كنيس يهودي في اوروبا، حادثة كنيس كوبرنيكوس في باريس، التي حصلت في نهاية حكم جيسكار ديستان، واثارت عاصفة لم يسبق لها مثيل، خاصة بعد ان اتصل عنصر في احدى منظمات اليمين المتطرف، واعلن مسؤولية تنظيمه عن الحادث: كان اللوبي اليهودي قد قرر اسقاط ديستان المتهم بالتعاطف مع العرب، وبعدم كفاية تعاطفه مع اسرائيل، ولذلك كان يخطط لتقوية اليسار، كما للتصدي لنمو التعاطف الشعبي الفرنسي مع العمل الفدائي الفلسطيني والحقوق العربية، ولاحياء التعاطف مع اسرائيل، عبر نغمة اللاسامية، واستحقاق اليهود المضطهدين للشفقة.
بعد فترة، بدا ان اتهام المنظمة اليمينية قد استوفى دوره، فظهر الرجل الذي قام بابلاغ الشرطة، واعترف بانه يهودي وانه كان مكلفا، مدسوسا لدى المنظمة المذكورة، للقيام بدور الابلاغ كما كشف عن كون هذه المنظمة شبه وهمية.. عندها اسرع الاعلام اليهودي الى اتهام ليبيا، والفلسطينيين بالحادث. وبعد سنوات كشفت المعلومات، عن كونه كان عملا منظما من قبل جهاز الموساد، وبمساهمة عناصر جاؤوا خصيصا من اسرائيل، وقتلت واحدة منهم في العملية.
هل يمكن ان يقودنا ذلك الى تمحص اهدأ، في قضية كنيس برلين، خاصة في الظروف السياسية الحالية في اوروبا.
الامر الصغير الآخر، الكامن في الثنايا، هو عودة امين بيار الجميل، الى واجهة الحدث السياسي اللبناني والعربي، عبر محاولة اثارة فتنة اهلية، تعيد الى لبنان شبح الحرب المخيف، ومعه تعود الى الذاكرة، الادوار المتتالية، منذ ستين سنة الى الان، والتي لعبها الجميل الاب والابنان، والتي كانت دائما منذ الاربعينات، ذات طابع تفجيري، تدميري مخرب.. وبين عمل عنف وآخر، تعود الكتائب الى بث الفرقة والطائفية والانعزالية، مع ارتدائها مسوح الرهبان، وتظاهرها بالضعف وبالمسالمة.. تماما على الطريقة اليهودية.
ولما كانت الكتائب قد تأسست بشكل مشبوه واضح، وعلى شكل فريق رياضي، فان ذلك يذكرنا بتصريح لبيغن ورد في الكتاب المشار اليه اعلاه، يتحدث فيه عن تأسيس الميليشيات اليهودية او الموالية لليهود، ويقول بالحرف: »عند الضرورة كان الشباب يفعلون ذلك بدءا من تشكيل فرق رياضية«.