ثمة انذار، علينا الا نصم آذاننا عن دقته.. ثمة انسحاب تكتيكي من جنوب لبنان خلال شهرين..
وثمة فرحة بأول انتصار تحققه مقاومة وطنية في بلد عربي، كان يوصف بالضعف، فاذا به يؤكد ان القوة لا تكون الا في القوة، لكن هذه الاخيرة غير مرهونة بالحجم والكم.. أولم يكن هذا ما قاله يوما مآل النضال الفيتنامي ضد القوة العظمى؟
لكن.. ثمة نار اخرى تموج هائجة وخبيثة لا تحث الرماد، بل تحث اكواما مخيفة من القش.
الاسرائيليون المهزومون، يعرفونها جيدا.. ويعرفون من اين توقد شعلتها.. اليهود المهزومون، لم يخرجوا يوما من سيكولوجية تدمير الهيكل »علي وعلى اعدائي..«.
اليهود الذين اعتادوا ان يحصلوا على كل ما يريدون دون تنازل، لن يبلعوا التنازل عن كل جنوب لبنان دون مقابل..
واليهود، وهم يقتربون من ايام الفصح، لا يستوعبون، ان خبز الفصح لا يعجن هذه المرة بدم (عجماوي) بل بدم يهودي.. هو اذن خبز حرام.. وعيد حرام.. وذنب لا يغتفر الا بكفارة الثمن.
المقابل.. الثمن.. اما خزف جديد يصيب اللبنانيين او السوريين، واما تهويد، وخضوع وعبودية لمصلحة اسرائيل.
اذن ثمة انذار..
تحرك الطلاب العونيين في بيروت، البيانات التي وزعوها ضد الحكومة، اشتباكهم مع الشرطة، حتى قبل حصول الانسحاب..
تحرك، من الواضح انه موجه، عبر السلطة اللبنانية، ضد سوريا.. وفي الوقت الذي تعيش فيه دمشق اصعب مرحلة عض اصابع مع اسرائيل.
جرس الانذار، هذا، سيتحول غدا الى هدير وطني وعواصف.. والى خطر اشتعال النار في الحطب اللبناني الذي ايبسته الانتماءات الخاطئة، والولاءات الفئوية والطائفية، وجفاف عقدين من الحرب والدمار، استكملا بجفاف الاقتصاد..
النار المرشحة للاشتعال ستحرق لبنان وسوريا معا.. وستحرق معظم الاوراق المرصوفة في يد المفاوض باسم البلدين.. والنتيجة ان يأخذ المقابل الاسرائيلي، ليس فقط ما يساوي جنوب لبنان، بل وما يتجاوزه.
كثير من الخيارات المرة.. من مثل: اما ان تخرج سوريا من لبنان، وتنفك العرى السياسية بين البلدين، فيعود كلاهما اضعف.. واما ان تبقى ويضطر الاثنان الى دفع ثمن بقائها.
لنقلها مرة، وبصراحة.. صحيح ان سوريا تستفيد من وجودها في لبنان، وتستفيد اكثر من امساكها بالورقة اللبنانية في المفاوضات مع اسرائيل. ولكن هل كان للمقاومة اللبنانية التي نفخر كلنا اليوم بما انجزته، ونرى فيه بارقة الضوء في هذا الليل العربي، ان تحقق شيئا مما حققته لولا الدعم السوري؟ اجل كان المقاتلون اللبنانيون ابطالا، وسخوا بدمائهم، ولكن اليس في جميع كيانات هذا الوطن الكبير، شباب مستعدون لان يبذلوا العطاء ذاته، فيما لو توفر لهم القرار السياسي، والتبني والدعم الرسمي؟
نعامي السلوك، كل من ينكر ان الانتصار اللبناني، هو انتصار سوري – لبناني، وضيق النظر من يقول، في معرض الاتهام وتسجيل المأخذ، ان سوريا تستعمل الورقة اللبنانية لتحرير الجولان.. اجل انها تفعل ذلك، ومن واجب كل مخلص ان يقف وراءها وهي تفعله فما العيب في ان ترسم سياسة سورية – لبنانية، تحرر الجولان وجنوب لبنان معا؟ هل كان من الافضل ان يباع لبنان مجانا في اتفاق 17 ايار، وتسحب من يد سوريا وسيلة من وسائل استعادة الجولان؟
ثم، وبعد انتهاء كل ذلك، بعد التوصل الى اتفاق سلام، اي عند بدء مرحلة الصراع الاقتصادي، السياسي، الثقافي، هل سيكون من مصلحة لبنان وسوريا ان يكونا منفصلي القرار، في وجه القرار الاسرائيلي الطوفاني، ام من الافضل لهما ان يشكلا كتلة اكبر، تعيق الابتلاع؟
بل ان السؤال الاكبر هو: هل من بديل، والحال هذه، الى حالة اتحادية عربية، تحت اي شكل من الاشكال (سوق مشتركة – تكتل – اتحاد الخ..) تتركز اساسا في المشرق العربي، بدءا من دول الطوق، الى منطقة الهلال الخصيب، الى وادي النيل والجزيرة العربية، وتمد يد التحالف الى القوى الاقليمية الاخرى، لمواجهة السيطرة الاسرائيلية الكلية على السوق الشرق الاوسطية، حلم بيريز الكبير؟
قد يقال ان سوريا اخطأت، خلال السنوات السابقة، في التعامل مع الشارع اللبناني، ومع بعض القوى القائمة فيه، وانه كان عليها ان تكسب قلب المواطن، وعقله معا.. ان تسحب الفتيل من اية قنبلة موقوتة.. ان تبذل جهدا اكبر في تفعيل الحس القومي والقناعات التي تصب فيه، ان تراقب اكثر سلوكيات عناصرها في لبنان.. كل هذا صحيح..
لكن الرهان تاريخي مصيري، وهو اكبر بكثير من كل الشوائب والاخطاء المرحلية..
ومثله الانذار..