لا يمكن لاحد ان يفهم كيف تتفتق عبقرية مسؤول فلسطيني، عن الدعوة الى تدريس الهولوكوست، للطلبة الفلسطينيين والعرب.
ولعل هذه الدعوة لا تحمل اية دلالة اكبر من دلالة الجهل الثقافي والاستراتيجي، الذي يجعل من بعض المسؤولين بل ومن بعض المثقفين افضل اداة، لتنفيذ المخططات او بالاحرى حلقات تفصيلية في المخططات اليهودية.
نقول الجهل من باب حسن النية، ونقول »حلقات« لسببين: الاول ان الآلة اليهودية لن تجعل من هؤلاء اكثر من مسامير او عجل او حلقة قطع وصل. والثاني انهم هم اعجز بقصر نظرهم من ان يروا اكثر من الحلقة الصغيرة، التي يراد لهم ان يروها، وبالطريقة التي تراد لهم ايضا.
لا مجال هنا للعودة كثيرا الى الوراء، واستعراض تفاصيل تاريخ فبركة قصة الهولوكوست في اوروبا ولا لاستعراض التطورات العلمية الخطيرة التي طالت هذا الافتعال الذي اريد له ان يكون اسطورة، تطورات هزته بشكل عميق، بالبحث العلمي الموضوعي المجرد من جورج اشلي في الولايات المتحدة الى ديفيد ايرفنغ في بريطانيا الى روبرت فوريسون في فرنسا، الى عشرات بل ومئات غيرهم من المؤرخين والباحثين المراجعين الذين اغفلهم اعلامنا الببغائي طيلة العشرين سنة الماضية.
حتى انه اغفل اغتيال احدهم، فرانسوا دوبرا الذي كان اول مؤسس للجان فلسطين في فرنسا، واعلان منظمة الدفاع اليهودية مسؤوليتها عن ذلك.
كذلك لا مجال هنا لتناول تفاصيل علاقة الصراع حول اسطورة الهولوكوست بموضوع ابتزاز التأييد الغربي لاسرائيل وابتزاز التعويضات المادية، وابتزاز المواقف السياسية وتشكيل اللوبيات التي تسقط مسؤولا وتنجح اخر، بناء على موقفه من اسرائيل، بل وحتى الموافقة على تزويد الدولة العبرية بالقوة النووية.
ولانه لا مجال لكل هذه العودة فسنبدأ من بداية الالفين فقط:
ثمة عوامل كثيرة تجمعت مع بداية القرن، وتتلخص في:
* متطلبات الحفاظ على النفوذ اليهودي، وعلى امكانيات الابتزاز، وضمان استمراريته في اوروبا.
* ومتطلبات التطبيع في المنطقة العربية.
المتطلبات الاولى تعيقها هزات نامية جديدة: نمو حركة المراجعة والتدقيق في المجال التاريخي، نمو قيادات فلسفية فكرية تدعو اضافة الى رؤاها الفلسفية الى حرية اختيار الذاكرة، وانتهاء عقدة الذنب والمسؤولية. »هاينز – ليسنر – سلوترجيك« او الى رؤى جذرية جديدة ازاء الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية »غارودي – ايرفنغ وسواهما..«، ونمو احزاب اليمين الاوروبي التي تضع اكثرها هدف التخلص من نفوذ اللوبي اليهودي على رأس قائمتها.
اما المتطلبات الثانية فيعيقها واقع ماض – حاضر، اثبتت التجربة انه ليس من السهل تلوينه، وتغيير ملامحه ودمه وحسه واجتثاث وعيه بقرار سياسي فوقي فرضته ظروف دولية صعبة.
اذن.. فلا بد من التوجه الى الاساس، الى العملية التربوية، لاستئصال وعي، وزرع وعي بديل، لقولبة اجيال المستقبل ضمن القالب اليهودي – الصهيوني، ولا بأس ان يطلى هذا القالب ببريق التقدم العلمي والتكنولوجي.. فهذا اداة، وذاك مضمون.
لذا، كان مؤتمر ستوكهولم الاول: »اليهودي..«
ولذا نشهد منذ فترة تركيزا اسرائيليا محموما على تعديل مناهج التعليم العربية.
لكن…
الاوروبيون تنبهوا، او »لنقل بعضهم« ودعوا خلال اقل من شهر الى مؤتمر ستوكهولم الثاني.. ليحضره اكثر من الف باحث وعالم.. يحاولون ان يوقفوا الحظر عن اولادهم..
اما نحن.. فلم نلتفت »باستثناء ندرة من الكتاب« لا الى المؤتمر الاول ولا الى الثاني. بل ان البعض من “دعاة السلام” اسرعوا ككلب بافلوف الى لوم العرب لانهم لم يشاركوا في المؤتمر الاول.
ومثلهم، وبنفس الطريقة البافلوفية، يدعونا نائب وزير التعاون الفلسطيني من قبرص الى تدريس الهولوكوست.
لماذا اقول بافلوفية؟
لان دعوته، جاءت بعد اجتماعه بيوسي ساريد..
ولان يوسي ساريد، رمى لكلب بافلوف قبل اسابيع، بعظمة تدريس اشعار محمود درويش.
وها هو يحصد ردة الفعل التي اراد:
المطالبة بتدريس الهولوكوست.
السيد الوزير.. والسيد نائب الوزير ينفذان مقررات المؤتمر اليهودي.
ان كنت لا تدري فتلك مصيبة
او كنت تدري فالمصيبة اعظم.