موجعة جداً

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 13-02-2000

جاءوا في الليل.. ليفرقونا في الليل.. هؤلاء الذين ساروا منذ وجودهم وراء عامود من نار.. لا من نور..

ضرب الكهرباء، ليس فقط تجلياً لحقد اليهود على لبنان، وعلى كل من يرفض الاستسلام لعبوديتهم، وانما هو ايضا محاولة لضرب الجدار الصلب الذي يسند اليه مقاتلو الجنوب ظهرهم: جدار الاجماع الوطني على تأييد المقاومة.. واذ نقول اجماع، لا شبه اجماع، كما يقول البعض، فلأن تلك الحفنة من شراذم العملاء أو من المهزومين المتخاذلين، لا تمثل خرقاً للاجماع الوطني… لأن من لا يؤيد مقاومة عدو يحتل أرضه منذ اثنين وعشرين عاما، ليس مواطنا..

اسرائيل تريد الانسحاب، لا لأن باراك ملتزم بتنفيذ وعد قطعه في برنامجه الانتخابي، ولا لأن الاجندة الاسرائيلية دقيقة ومعلنة، في هذا الخصوص، بل، وأيضاً، لأن الجنود الاسرائيليين، ووراءهم الرأي العام، لم يعودوا يحتملون ضربات حزب الله…

آلاف المرات رأينا صور أمهات عربيات يبكين، وآلاف المرات رأيناهن يزغردن وراء شهيد، لكننا لم نر مرة جنوداً عرباً يتعانقون وينشجون كما رأينا صور الجنود الاسرائيليين قبل أيام. ولم نقرأ أو نسمع مرة، ما نشرته الصحف العبرية قبل يوم، على لسان هؤلاء الجنود، من الولولة والرعب، والاصرار على الانسحاب… واذا ما اريد الاستمرار في ضرب لبنان، فليضرب من داخل اسرائيل – كما قال بعضهم، ليتجاوزه البعض الآخر الى السؤال: لماذا نحن هناك؟ ماذا نفعل في جنوب لبنان؟ دعونا نعد، أهي هذه الهستيريا ما يجعل باراك يصرح بأنه سيوجه الى لبنان »ضربات موجعة جداً«؟.

ولكن، أليست هي الدليل على ان ضربات المقاتلين اللبنانيين »موجعة جداً«؟

اما الالتفات الى واقع حجم حزب الله، وجنوب لبنان، بل ولبنان كله، بطاقاته ومقاتليه، من اول شهيد فيهم الى الآن، ونسبة هذا الحجم الى حجم الامة كلها، بطاقاتها، وقدرات ابنائها، وما كان يمكن ان يكون عليه شكل الصراع مع اسرائيل، لو كانت كلها كجنوب لبنان… فانه أمر »موجع جدا جدا..”.

وأخيراً فان لسليم الحص، وللبنانيين جميعاً، ان يشعروا بأن ما هو »موجع جدا جدا« هو ردة الفعل العربية المتفرجة على تهديدات ارهابي فردان، مرة بأن يحرق التراب اللبناني، ومرة بأن يوجه ضربات موجعة… بل وعلى طائراته ومدفعيته، وهي تنفذ ذلك بالفعل..

اللبنانيون اعتادوا الوجع.. كانوا مجانين فامعنوا انتحاراً، لكنهم اكتشفوا اخيراً ان لهم وطناً مستعصياً على الانتحار…

واذ عادوا الى العقل وانصرفوا الى معالجة الجراح التي تركوها على جسدهم، حولوا السكاكين الى شباب منهم، حملوا شعلة الكرامة الوطنية في وجه ليل الاحتلال.. ليجدوا انهم يدفعون ثمن ذلك، هجوم الليل على نهارهم كلما كاد يستعيد ضياءه..

شمشون يجد نفسه مضطرا لان يغادر الهيكل، لكنه لا يريد ان يتركه الا دمارا..

لن يمسك الاعمدة بيديه ويزلزلها، لانه يعرف تماما عجزه عن ذلك.

اذن فلينسحب، ويقصف هذه الاعمدة من بعيد.. هكذا علمته تجارب حلفائه.

الا اذا قبل أهل الهيكل وكهنته ان يبيعوه كراماتهم وارواحهم ثمن انسحابه، هكذا علمته خطط عشارية…

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون