ايا تكن نتائج المواجهة بين جوسبان وشيراك في فرنسا..
وايا تكن التطورات التي ستلي هذه العاصفة التي تجتاح العالم العربي.. فان ثمة ايجابيات حققها لنا رئىس الوزراء الفرنسي، دون ان يقصد، وعلينا المحافظة عليها واستثمارها.
فعلى الصعيد الخارجي، فتحت هذه المواجهة، الباب امام جدل اعلامي- سياسي، داخل فرنسا، حول قضيتنا الوطنية لم يسبق له مثيل، لانه جعل منها عنصرا اساسيا في صميم المعركة الرئاسية القادمة بين الاشتراكيين والديغوليين.
واهم ما طرحه هذا الجدل، هو قضية حق المقاومة الوطنية للاحتلال، وعدم جواز نعتها بالارهاب، وهذا ما كانت الدول العربية تحاول جاهدة ومنذ سنوات عديدة ان تثبته، ولا بد ان نذكر هنا من ضمن مواقف عديدة، تركيز الرئىس السوري على هذا التمييز خلال لقائه مع كلينتون في جنيف.
لكن لا التذكير بجورج واشنطن، ولا باعتراض كلينتون على حرب فيتنام، ولا شارل ديغول واعتراض شرفاء فرنسا على احتلال الجزائر.. نجح في وضع هذا التمييز، ومن ثم الاعتراف بشرعية مقاومة حزب الله، على لسان رئىس دولة هامة كفرنسا.
فحتى الاسبوع الفائت، كان السائد في الشارع الفرنسي، وفي جميع الاوساط السياسية والثقافية، ان حزب الله منظمة ارهابية.
ولاول مرة، اضطرت المواجهة التي اندلعت، رئيس الجمهورية الفرنسية، الى ان يخرج بتصريح رسمي – من باريس وللفرنسيين لا من القاهرة او بيروت – يقول فيه ان ما يحدث في الجنوب هو »اعمال حربية« ضد قوة احتلال.
مراقب فرنسي، هاتفته امس، قال لي ان هذه المكاشفة شكلت صدمة في وعي المواطن الفرنسي، قد تنجم عنها اثار ايجابية، اذا ما احسن العرب استغلالها، فشيراك قد اضطر الى وضع العربة على سكة حديد معينة ستشكل مسار المعركة الانتخابية، وما علينا الا دفعها، دفعا لن يكون من السهل توجيهه لمصلحتنا، في ظل واقع نفوذ اللوبي اليهودي القوي، لكنه ايضا ليس صعبا في ظل مصالح فرنسا في منطقتنا، وعلاقاتها التاريخية مع الكثير من عواصمنا، خاصة اذا اتقنا الحديث بلغة المصالح، ولغة النقاط الجوهرية الحساسة التي تشكل جوهر الوعي الجمعي القيمي التاريخي لدى الفرنسيين.
من جهة اخرى، وعطفا على ان المحاولات السابقة، الاعلامية والرئاسية لم تنجح في فرض الاعتراف الرسمي بالتمييز بين الارهاب والمقاومة، فان ما فرض هذا التمييز هو ردة فعل الشارع العربي، من بير زيت الى بيروت.
ردة الفعل هذه، بكل تجلياتها المتتالية، هي تأكيد على الشعار الاول: »شعب واحد ما بيموت«.
وسواء اكتملت المجريات التفاوضية، ام لم تكتمل، وسواء نجحت الحلول على الورق مؤقتا وفي وسائل الاعلام وتصريحات السياسيين ام لم تنجح، فان ما حصل يؤكد على ان الصراع، بين هذه الامة والوجود اليهودي لا يمكن ان يحسمه استسلام مفروض بالقوة والضغط، ولا يمكن تخيل ان شعبا الفيا سينتهي بمجرد هزيمة مرحلية، مهما تكن قاسية وقاصمة، وان مجرد خمسين سنة لا تشكل الا سطرا واحدا في كتب التاريخ المدرسي، ستضع نقطة نهاية لروح الكرامة والمقاومة، وللاحساس بالذات الوطنية والحقوق لدى اجيال يتم اخضاعها لآلة تفريغ، كتلك التي يفرغ بها الهواء من مكان معين، كما يتم اخضاعها لآلة القمع الحضاري، كي تتحول الى مجرد شريحة ميتة، لكنها تنتفض فجأة، وعند كل تحد يريد اثبات موتها، لتعلن عاليا حياتها وحيويتها وامتلاءها بكرامتها ووعيها.
واذا كنا نعي فعلا ان الرهان الحقيقي هو هؤلاء الشباب، وان في صفوف هذا الجيل، كما كان الامر دائما، تيارات اخرى لا مبالية مغربة مدمرة مخربة، فان الحفاظ على اية ظاهرة ايجابية وتدعيمها وحمايتها هو امر في صميم الصراع، ومن مقدساته، لذلك، لا بد من القيام بحملات تضامنية مع طلاب بير زيت المعتقلين، للضغط على السلطة الفلسطينية، لاطلاق سراحهم، والغاء جميع التدابير المتخذة بحقهم.
وبما ان هذه التدابير تضمنت بند حرمانهم من التسجيل في الجامعات الفلسطينية، مما يعني تدمير مستقبلهم، وجعلهم عبرة لسواهم، فان افضل رد عملي هو ان تصدر الجامعات اللبنانية لهم قبولا غير مشروط، سواء بالانتساب والمراسلة او بالحضور.. حماية لكل ما يمكن ان يعنيه مستقبل كل طالب من اولادنا.. بل ومن احفادنا.