بعض السذاجة او التغابي..
بعض الوقاحة او الجريمة…
بعض الاساءة او الخيانة…
واخيرا بعض الخير.. والدلالات الايجابية.. كل هذا ما حملته الاحداث المتواترة منذ وصول جوسبان الى فلسطين..
سذاجة الاعتقاد بان هذا الموقف المعلن من السياسي الاشتراكي الفرنسي، هو موقف فردي، او انفعالي، او نتيجة ضغط المسؤولين الاسرائيليين. فجوسبان لا يمثل نفسه، ولا يمثل حتى الحكومة، بقدر ما يمثل الحزب الاشتراكي الفرنسي، واذا كان صحيحا ان داخل هذا الحزب عناصر بل واجنحة ايجابية الموقف تجاه القضايا العربية، (ولا يمكن لاحد ان ينسى موقف جان بيير شفينمان من حرب الخليج مثلا..)، فان الصحيح ايضا ان هذه العناصر، لم تستطع يوما ان تحسم القرار السياسي لهذا الحزب، الذي يخضع بقوة لنفوذ الجناح المتهود المتصهين.
ولذا فان الاشتراكيين، وعلى رأسهم جوسبان، اليوم، اذ يسعون الى استعادة الموقع الرئاسي من الديغوليين، فانما يحاولون ان يبدأوا معركتهم الانتخابية هذه من تل ابيب. وذلك في اطار خطة مرسومة، ومتفق عليها، بدليل تصريحات جاك لانغ، وحتى هيوبرت فدرين، وزير الخارجية الذي اعتبر ان ما قاله جوسبان »صادر عن العقل والقلب«.
دون ان يعني ذلك باي حال، كون هذه الخطوة مجرد تكتيك انتخابي، اذ انها ترجمة للبنية الفكرية لجوسبان وقبله لميتران وسواهما، وذلك كما صرح جوسبان نفسه، الذي يزور اسرائيل للمرة السادسة بعد ان حاول التقرب اكثر بزواجه من يهودية بعد طلاقه من زوجته الاولى. »مما يعني ان اولاده سيكونون يهودا«.
اما التغابي، فهو ذلك الذي مارسه العرب طوال عقود، عندما كانوا يهرعون للمشاركة في الاشتراكية الدولية التي ابتدعها شيمون بيريز، وعندما كانوا ينعتون ميتران بصديق العرب، ويعتقدون بان قربهم من الاشتراكيين شهادة لتقدمية بلهاء، حولتهم الى مساهمين، بعلم او بدون علم، في تنفيذ المخططات الصهيونية.
اما الوقاحة.. فليست فقط وقاحة هذا الصهيوني الفرنسي في اتهاماته، وانما هي، وبقدر اكبر، وقاحة المبالغة في الاعتذار له، بل وتوجيه تهم مريعة لهؤلاء الشباب الرائعين الذين انتفض فيهم نبض كرامة اريد له ان يموت، اضافة الى اتخاذ اجراءات تدمر مستقبلهم الشخصي كله، لجعلهم عبرة لكل من تسوغ له كرامته، اتخاذ موقف النهوض عن الركب الى الوقوف على القدمين.
واذا كنا كلنا نعرف ان المقصود من هذه الاجراءات قتل روح المقاومة، خاصة لدى الاجيال الشابة، فان ذلك يلتقي مع مطلب شيمون بيريز في تعديل المناهج التربوية العربية، ويصب في خط التدجين الكامل، حتى ازاء الاذلال والفساد الداخلي.
اما الاساءة والخيانة، فقد اشترك فيها »المسؤولون« ضد شعوبهم وبلدانهم، فجوسبان اساء الى تاريخ فرنسا، وقيمها ومثلها، حتى بدا ان فيما يقوله اتهاما للمقاومة الفرنسية ضد النازي، بالارهاب.
واساء الى المصالح الفرنسية في العالم العربي، معززا مشاعر عداء، داخل كل مواطن عربي، »مما لن ينفع معه على المدى البعيد، تجاهل الحكومات، وخنوعها الذي يفرضه المأزق الذي تعيشه«.
والسلطة الوطنية الفلسطينية اساءت بدورها الى تاريخها، ومثلها، ودماء شهدائها، ومشاعر شعبها، وبعدها العربي، وتاريخ تضامن المناضلين العرب معها، بهذه المبالغة المذلة في الاعتذار وهذه التدابير الخرقاء التي تلوح بها ضد طلابها.
واذا كانت حجتها في ذلك انها تتصرف كدولة، ولا تريد ان تعزل نفسها اوروبيا، في وقت تحتاج فيه الى الدور الاوربي، فان الدول لا تحتاج الى كل هذه المبالغة المذلة في اعتذارها، وغضب جوسبان لا يعني العزلة الاوروبية، لأن في اوروبا، وفي فرنسا تحديدا تيار آخر، هو الذي يجب ان نراهن عليه.. والمقارنة مع زيارة شيراك الى فلسطين هي خير دليل.
اضافة الى بعد آخر واهم، هو ان الدفع باتجاه عزلة عربية، هو السلوك السياسي الاشد خطرا على كافة الصعد، والانسياق في منافسة خرقاء تفترض الافادة من التصعيد والجمود السوري اللبناني ـ الاسرائيلي، هو سياسة خرقاء بلهاء في ادعائها الذكاء. لا تصب في النهاية الا في الحضن الاسرائيلي.
وهذا هو الجرب الذي حاول جوسبان ان يحكه، دون ان يتجاوز التذكير بانه لم يأت الى فلسطين ـ الحكم الذاتي، الا من اجل السلام.
واخيرا بعض الخير.. والدلالات.. اذ بدا ان هذا الاستفزاز، مقرونا باشتعال الوضع اللبناني، قد حفز حالة تضامن عربي، ولو في ادنى الحدود..
حالة يجب ان توجه “شعبيا على الاخص” في اتجاهين: الضغط بقضية المصالح الفرنسية والاوروبية في المنطقة.
ـ والضغط لحماية الطلاب الذين تحركوا في بيرزيت، لا لأجلهم فقط، وانما انتصارا لروح المقاومة، ولحس الكرامة المستهدفين.