شؤون تخصنا

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 03-02-2000

حدث بالغ الاهمية، ما فعله بيريز في مؤتمر دافوس، لا لانه شتمنا متهما بالقذارة والفقر والتخلف، ولا لانه وصف اسرائيل بانها بقعة نظيفة ثرية متمدنة.. فهذا ما طالما فعلته الدعاية الصهيونية في الغرب..

بل لان الخطوة الاجرائية التي اتخذتها بتشكيل لجنة للمؤتمر الاقتصادي، تبدأ عملها فور انتهاء دافوس، هو ببساطة وبجملة واحدة موجهة للعرب: سواء قبلتم بسلامنا السياسي كما نفرضه، ام لم تقبلوا فان مخططنا لتهويد المنطقة بالسيطرة عليها اقتصاديا سينفذ، بشكل ممأسس ومستقل عن ارادتكم، وليس لاحد ان يوقف الدبابة الزاحفة.

رغم كل ذلك لم يركز اعلامنا العربي، وصحافتنا تحديدا على هذه القضية، على الاقل بقدر ما ركز عليها الاعلام الاجنبي.

حدث آخر بالغ الخطورة هو المؤتمر اليهودي العالمي الذي عقد في السويد، قبل ايام، لا لان جميع المنظمات اليهودية خاصة الاوروبية قد شاركت فيه بل لان انعقاده في هذه الفترة بالذات هو لتلبية امرين هامين:

الاول يتعلق ببرمجة وتخطيط العمل اليهودي خاصة الثقافي والاعلامي، لمرحلة ما بعد معاهدات السلام العربية الاسرائيلية.

والثاني دراسة المتغيرات التي بدأت بوادرها تظهر على الساحة الاوروبية فيما يخص سيطرة اللوبيهات اليهودية على تلك المجتمعات، سواء الرأي العام ام صانعي القرار.

فرغم الشبكة الجهنمية التي نسجتها هذه اللوبيهات في مجالات الاقتصاد والثقافة والاعلام، والتي مكنتها طوال عقود من توجيه الرأي العام، والتحكم بصانع القرار وذاك ما تباهى به الكاتب اليهودي الفرنسي موريس صفران في مقال موجه لميتران عام 1990 كما تباهى به مستشار ميتران ايضا، جاك اتالي فانه ما من رئيس فرنسي الا وانهى عهده بالتذمر من تحكم اللوبي اليهودي: من ديغول الى ديستان الى ميتران (حيث لم تهدأ بعد ضجة كتاب: الفطور الاخير في الاليزيه الذي روى فيه جان امرسون شكوى ميتران من هذا اللوبي. دون ان يختلف الحال في سويسرا او في النمسا او في المانيا وغيرها.

ورغم ان اللوبيهات استغلت لفرض هذه السيطرة نفسيا (اضافة الى الامساك بزمام المواقع والشبكات) امرين: الاول هو تركيز الثقافة اليهودية – المسيحية بدلا من الثقافة المسيحية، التي ظلت سائدة نقيضا لليهودية، حتي القرن السابع عشر وذلك بعدة وسائل اهمها تنصر يهود ووصولهم الي مواقع سلطات دينية وآخر هؤلاء، وربما اخطرهم اسقف باريس جان ماري لوستيجير، اليهودي البولوني الذي لم يعتنق المسيحية الا في عمر متأخر.

والثاني وهو الاهم والاخطر: تركيز اسطورة المحرقة النازية وافران الغاز والحل النهائي، مما شكل للحكومات والشعوب الاوروبية حالة من الشفقة، وعقدة الذنب الرهيبة، التي استتبعت وبتكتيك يهودي مبرمج، قضية التعويضات المالية التي قال عنها ناحوم غولدمان في مذكراته: »لم اكن اتصور كيف كان من الممكن ان تقوم دولة اسرائيل لولا التعويضات الالمانية والاوروبية«.

كما يروي في المذكرات ذاتها كيف كان يساوم الدول على الدفع، وكيف فرض ذلك على النمسا، رغم انها هي الاخرى ضحية النازية.

كانت قضية المحرقة وما تزال »القوة المخصبة«، لكل قبول اوروبي بالهيمنة والابتزاز الاسرائيليين. سواء من حيث التعويضات المالية ام التعويض بالمواقف السياسية الداعمة والمؤيدة. دون ان ننسى ان معاناة الشعوب الاوروبية من النازية، ومعاناة بعض الفئات (الشيوعيين مثلا) دعمت هذا التعاطف.

لكن اوروبا بدأت تستفيق على ارتهانها: المؤرخون المراجعون (جماعة اعادة النظر) الذين كانوا رواد هذه الصحوة، وبشكل علمي دقيق حيث برهنوا بكل الوثائق والدراسات العلمية والتاريخية، والشهادات الحية، اكذوبة (المحرقة) التي اطلق عليها رائدهم اسم (اكذوبة اوليس) وذلك عنوانا لكتابه عنها، فدفعوا ثمن كشفهم للحقيقة دمارا رهيبا شمل كل مناحي حياتهم، هؤلاء لم يعودوا مقتصرين على فرنسا، حيث ظهروا منذ الخمسينات وحتى الان، وانما لم يعد يمر يوم الا ونسمع عن واحد منهم: في بولونيا، في المانيا، في بريطانيا (حيث ما تزال قضية ايرفنغ بيد القضاء) الخ..

احزاب اليمين، التي طالما وصفت بالنازية والعرقية، وصبغت بكل ملامح الشيطان، بدأت تجلو وجهها فتظهر بانها ليست كلها كذلك، وانها مجرد احزاب وطنية لها اراء ومواقف قد تتفق مع بعضها وقد تختلف، لكنها في النهاية تنمو في صناديق الاقتراع وها هي النمسا اول المتمردين على النير اليهودي، بل وعلى الوقاحة الاسرائيلية، التي لم تتورع عن محاولة فرض حكومة محددة على شعب من اعرق شعوب اوروبا.

صحيح ان ذلك لا يعني انحسار النفوذ اليهودي، والدليل على ذلك الهبة البلجيكية والنرويجية، والفرنسية.. التي لم تخف ان سببها الموقف من اليهود. لكن مجرد حصول هذه المواجهات يعني، اول ارهاصات الانحسار. فالبرتغال والمانيا وسواهما رفضت الانضمام الى الهبة، اضافة الى ان التحدي الذي اصرت عليه النمسا يعني مثالا اول يحتذى.

واليهود، لا ينتظرون مثلنا (وقوع الفاس في الراس) لذلك تنادوا الى ستهوكولم ونحن في غيبوبة تصل بالبعض حد ان يقول لي بعد هذا المقال: “لماذا لا تكتبين في شؤون تخصنا”؟!!

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون