عبثا حاولت اطراف اوروبية ثني رئيس الوزراء الايطالي عن دعوته للرئيس الليبي لزيارة ايطاليا.
وعبثا حاولت لوبيهات الاعلام تصوير الرئيس الايطالي، كمسوول سياسي ارعن يتسرع في الاعلان عن قرارات ثم يتراجع عنها.
فقد ظلت روما مصرة على موقفها، وذلك لعدة اسباب منها ما يتعلق بخصوصية العلاقات الليبية – الايطالية، ومنها ما يتعلق بالتوجهات السياسية للحكومة الايطالية الحالية، فهي حكومة اليسار الايطالي، وحكومة التيار المناهض للهيمنة الاميركية على اوروبا، وحكومة البحث الحثيث عن دور اوروبي مستقل، في المتوسط عموما، وفي العالم العربي على وجه التحديد.
هذا البحث الذي اندرجت ضمنه الزيارة التي كان ما سيمو دليما ينوي القيام بها الى الاردن والسلطة الوطنية الفلسطينية، والانباء التي تسربت من مراجع موثوقة عن فكرة زيارة لاحقة للعراق، من اهدافها محاولة احياء خط انابيب الغاز العراقي – المصري.
واذا كانت الازمة الداخلية التي نشبت في روما، قد اضطرت دليما الى تأجيل زيارته الى الربيع القادم. فان انتصاره السياسي في تلك الازمة وعودة حزبه الى الحكم، تثبت خطه الاستقلالي وتوجهه في سبيل ذلك الى محاولة كسر الحصارين: العراقي والليبي.
اولا لان محاولة كسب مبكر لدولتين اساسيتين وغنيتين من الدول العربية القليلة التي لم تقع بعد في الحضن الاميركي، هي تسليف موقف قد يكون سداده المستقبلي مربحا للطرفين.
وثانيا لان في ذلك تشجيع للتيار الاستقلالي في اوروبا كلها، هذا التيار الذي ينمو في ضفتي اليمين واليسار، لكن نموه يصطدم بهيمنة اميركية ما تزال اقوى منه في الضفتين، خاصة وانها مدعومة باللوبيهات اليهودية والصهيونية هناك دعما هو بالطبع، متبادلا.
وثالثا لان ليبيا والعراق ما تزالان خارج العملية السلمية، اي خارج دائرة العراب الاميركي فيها، دون ان يعني ذلك انهما ستستطيعان الى الابد عدم تحديد موقف واضح منها. ومن هنا يمكن ان تكون العلاقة الاوروبية معهما او مع احداهما، مدخلا لاعطاء الاوروبيين خاصة الاستقلاليين منهم دورا في هذه العملية دورا حاولوا منذ مدريد ان يجدوه، ولكن يبدو ان واشنطن لا تريد ان تعطيه لاحد الا في حدود الاصطفاف وراءها.
لذلك كله، ولاسباب اخرى اصرت ايطاليا على دعوة القذافي، على كسر عزلة ليبيا عن اوروبا.
لكن لمن يصر على عدم الاستجابة للضغوط الاميركية والاوروبية المتأمركة، وسائل اخرى، مخبأة في الصندوق، او تفبرك في الصندوق، وتخرج عند الحاجة.
تخرج على صفحات »الصنداي تايمز« كخبر ضبط صواريخ سكود مرسلة الى ليبيا.
ليخرج بعدها وزير الخارجية البريطاني متحدثا عن قلق بلاده من الطموحات العسكرية البعيدة المدى للعقيد القذافي.
الملفت في الخبر ان القطع المزعومة ضبطت منذ تشرين الثاني، فلماذا لم يعلن عنها الى الآن؟
هل ثمة مساومة كانت تتم في الخفاء؟ ام انه لم يرد للاعلان ان يذهب مجانا فاخفي لحين الحاجة؟
ام انه ليست هناك قطع اصلا؟
الملفت ايضا ان بريطانيا تذكر بانها ارسلت سفيرا لها الى طرابلس لاول مرة منذ خمسة عشر عاما. ومعنى ذلك ان التطبيع الاوروبي مع ليبيا، ممكن، ولكن بشروط محددة، ومن خلال بوابة معينة محددة.
وهي رسالة للجميع، فهل يظل الجميع مستسلمين لقدر القطيع والعصا، ام ثمة صحوة بشرية؟