كونه ميت، سبب من اهم اسباب فرادته، وكونه فريدا سبب اساسي لعدم جواز التفكير بدفنه، خاصة وان كل المعطيات الايكولوجية تقول بضرورة المحافظة عليه برموش العين.
لكن اسرائيل دفنت البلاد والعباد فهل ستتورع عن دفن البحر الميت، اذا ما بدا لشايلوك ان في ذلك مصدر ثروة جديدة له؟
الجواب حمله مستشارو الملياردير الصهيوني إسحق تشوفا ليعرضوه على الباحثين والعلماء في «الأسبوع العالمي للمياه» في استوكهولم. حيث قدموا مخططا لتجفيف هذا البحر الفريد في العالم بحجة انه بدأ يتقلّص ويضربه الجفاف والشّح تدريجاً، وبالتالي بدأت شواطئ الرمل والأملاح والكلس تتكدّس على ضفافه، التي باتت غير صالحة للسكن وإقامة المستوطنات وإغراء يهود العالم بترك بلدانهم والهجرة إلى «أرض الميعاد». مخطط تشوفا قدم على شكل شريط فيديو استعرض ثلاث مراحل: الاولى تاكيد استحالة امكانية احياء البحر الميت، الثانية تبرير اسباب تجفيفه، والثالثة المشروع البديل المطروح للاستثمار في مكانه.
في الاولى يتناول المشاريع «العلمية» المطروحة لإنقاذ البحر الميت ليثبت عبثيتها، وهي تتلخص في اثنين: الأول، رفع منسوب تغذية البحر الرئيسية من نهر الأردن، والخطة الثانية والوحيدة، تقضي بتغذية البحر الميت بشريان مائي من البحر الأحمر، ويظهر ان هذين الحلين مستحيلان، اولا لان الجفاف بات يهدد نهر الاردن نفسه والثاني لان الاختلاط المائي السريع بين مياه الاحمر والميت غير مضمون!! ولا ندري هنا ما هي المشكلة في تاخر عملية الاختلاط؟ وكيف يكون التجفيف افضل؟ ولماذا اعتبر شريط تشوفا ان تحول البحر الى ” ميت احمر او زهري ” بحسب تعبيره هو كارثة بيئية وفشل علمي، ليبرر مشروع تجفيفه.
ننتقل الى المرحلة الثانية من الشريط فاذا هي تبرير ايديولوجي ميركانتيلي للخطة: فاضافة الى الحجة العلمية السابقة، هناك حديث التوراة على لسان «يهوه» عن تحويل الصحاري والجفاف في أرض كنعان إلى خضرة يافعة يانعة، وتحديداً «الواحة الكبرى» (عين جدي) في غرب «الصحراء اليهودية».
اما المرحلة الاخيرة – وهي بيت القصيد – فتصل الى المشروع البديل: وهو يقضي بتجفيف «البحر الميت» وإقامة نموذج لمدينة شبيهة بمدينة «دبي»؛ مدينة عصرية سياحية ترتفع فيها الفنادق والمنتجعات والمطارات وكل وسائل الراحة والتسلية والسمر التي تجذب الناس والسياح من جميع أقطار العالم، وتحمل معها الثروة والمال. مما سيساهم في استقطاب يهود العالم إلى «أرض الميعاد»، حيث يتم انشاء المستعمرات اليهودية على «ضفاف» المدينة السياحية الجديدة، ويكون بإمكانها، توفير النمو الزراعي والتطور الصناعي والمدارس والمعاهد العلمية والمستشفيات. هذا يعني بالتالي تحويل المناطق الرملية الجافة والبنيّة اللون إلى جنّة خضراء، فتتحقق نبوءة التوراة
ويتطرّق الشريط المصوّر إلى النموذج المصغر الآتي: التخطيط لبناء قناة مائية بطول 166 كيلومتراً من البحر الأحمر إلى البحر الميت، تمر بموازاة المناطق الحدودية بين «إسرائيل والأردن وفلسطين»، وترتفع حولها مصانع للطاقة وتحلية المياه، مبنية جميعها على أسس وتقنية حديثة تلائم سلامة البيئة.
هذا المخطط المعروض في استوكهولم كشفت عنه القناة الالمانية الأولى (A.R.D) عبر رسالة مراسلها في تل أبيب تورستن تايخمان حملت عنوان «لسنا بحاجة إلى بحر.. ميّت»،، فيما يعتبر اطلاقا للحملة الاعلامية الممهدة له، واكد تايخمان على ان المشروع يلقى تاييدا واسعا داخل اسرائيل، كما اورد تعليق رئيس جمعية «أصدقاء الأرض» جدعون برومبرغ: «صحيح أن المشروع المطروح يخدم الأفكار الدينية التوراتية والأسس لقيام دولة إسرائيل، من حيث تحويل الصحاري الجافة إلى جنائن خضراء يافعة، وهي أفكار أدّت دورها في عشرينيات القرن الماضي، إلّا أن التمسّك بعدم تطوير الأوضاع وترك البحر الميّت على حاله أدّى إلى تكاليف باهظة في مجالات الزراعة والمحافظة على سلامة البيئة».
اما تشوفا الملياردير الذي بنى ثروته1998،عبر تعهد بناء المستوطنات لليهود السوفييت المهاجرين ومن ثم أسهم في شركة «ديليك» الإسرائيلية، وهي ثاني أكبر شركة لاستخراج النفط والغاز الطبيعي. فقد وعدً بأنه سيقوم بتمويل مشروعه الجديد من جيبه الخاص، وهو لن يستخدم أموال الدولة العامة. وعليه، فقد بدأ إعداد النموذج المصغّر لقيام هذه المدينة السياحية فوق مقبرة البحر الميت»..
ولا يسالان احد لمن سيكون هذا التحول؟ وماذا سيكون مصير سكان الاغوار الحاليين واراضيهم وملكياتهم، مع قدوم المهاجرين اليهود ومع قيام المشاريع السياحية والصناعية؟ اسئلة لا يغفل عنها المشروع المطروح ويحاول الالتفاف عليها بوعد ابليس بالجنة، حيث يكرر ما تعودناه مع كل عملية احتلال جديدة، او مصادرة جديدة، او استسلام جديدة فيقول بان هذه الخطة ستجعل المنطقة ( منطقة البحر الميت ) «مصنعاً حقيقياً للسلام في الشرق الأوسط يقوم على دعائم البحبوحة المالية وتوفير فرص العمل للجميع؛ للإسرائيليين، كما للأردنيين والفلسطينيين». ولا شك في ان خطة كهذه تحتاج الى عمال قد يكونون فلسطينيين او اردنيين،بحيث يتحول ملاك اراضي الغور الى عمال مياومة لدى المستثمر الجديد، رب العمل الجديد المستفيد من «مصنع السلام» في البحر الميت. تماما كما نصت عليه الخطط الاقتصادية الصهيونية منذ قيام الحركة: المواد الخام العربية والايدي العاملة العربية ورب العمل اليهودي. وكما رسم شرق اوسط شيمون بيريز، وكما يتحقق وفق وصفة الخطوة خطوة الكيسنجرية، وكله باسم القطاع الخاص الذي يندرج تحت يافطة ” المستثمرين الاجانب ” الذين لا يعترض عليهم احد، بل ويتبرج الجميع لاجتذابهم. فيما يقدم الحلول الممتازة لامرين مصيريين: تحقيق الهيمنة الاقتصادية اليهودية الكلية على المنطقة العربية، وتفعيل الهجرة اليهودية التي بدات تتراجع بل وتموت ليتحقق بذلك تمدد دولة اليهود دون الحاجة الى حروب لم تعد ضرورية بعد سقوط الجدار الاستنادي الرئيسي وتدمير الجيش العراقي.