«يأتون في الظلام ليفرقونا في الظلام»
بهذا استهلت السفير افتتاحيتها ليوم امس. متعهدة باسم اللبنانيين جميعا بان الظلام لن يأخذ منهم ما لم تأخذه زلازل ..1982 والشهداء شهود على هذا العهد..
اللبنانيون ما يزالون يحتفظون بالمولدات الصغيرة التي عالجوا بها ظلام حرب تجاوزت عمر المراهقة.
والامير الوليد تبرع بكلفة اعادة اصلاح محطة الجمهور وخسائر اخرى.. ولبنان اعتاد ان يبني بسرعة وان يذهل العالم بحيوية مستعصية على الخمود بل وحتى التباطؤ..
اما الجسور، التي ارادوا بقطعها، قطع التواصل بين الرأس والجسد، فلن تؤدي الى هذا المراد في بلد لم تستطع احقاد حرب مجنونة ان تقيم فيه القطيعة.
عودة الى جسر حديدي على الاولي، لن تعيدنا الا الى ذكرى اجتياح ،1982 وذكرى احتلال الجنوب التي تعني ذكرى الشهداء المشاعل، وذكرى سقوط اتفاق 17 ايار، وذكرى اضطرار العدو للانسحاب.
اذن. ستعني هذه العملية الجديدة قهرا جديدا للبنانيين، معاناة جديدة، هم الذين لم يكدوا يستمتعون بضوء الكهرباء، ووصول المياه، والعبور الممكن..
لكنها ستعني ايضا مزيدا من العداء، مزيدا من التحدي، مزيدا من استذكار قدرتهم على اصابة الآخر بالوجع، على رد الوجع..
سيستذكرون ان الرجل الذي دخل مدينتهم ذات ليلة متنكرا امرأة شقراء، ليغتال قياديي المقاومة، هو الذي دخل مطارهم ذات ليلة اخرى ليدمر طائراتهم، وهو الذي يعود هذه الليلة ليقطع النور والجسور..
معلق اسرائيلي قال: «اننا لا نريد ان نجلس الى طاولة المفاوضات مع السوريين، وبيدهم ورقة لبنان قوي».
ولبنان قوي يعني اليوم اشياء كثيرة: اولها حزب الله، وثانيها عودة الحياة الطبيعية..
وعودة الحياة الطبيعية لا تعني فقط الماء والكهرباء، وانما تعني تحديين كبيرين لمرحلة ما بعد السلام:
الاول هو تحدي عودة نموذج التعايش، والوحدة الوطنية، حتى بين حزب الله الاصولي والاحزاب العلمانية، والحكم التعددي، في وجه نموذج اسرائيل، يتصاعد فيه بعنف صراع المتدينيين والعلمانيين، صراع الشرقيين والغربيين، الى الحد الذي جعل صحافيا اسرائيليا يقول: «الحمد لله ان لنا اعداء والا لافنينا بعضنا».
ويجعل سينمائيا اسرائيليا يقول: قديما كان اليهود اثنتي عشرة قبيلة انقسمت الى مملكتين دمرت بعضها بعضا، واليوم نحن منقسمون الى ذلك العدد، وبشكل اشرس.
مما جعل باراك يضع في اول قائمة اولوياته موضوع «الوحدة الوطنية» ويغير اسم حزبه الى «اسرائيل واحدة»، فيما يحمل دلالة سيكولوجية عميقة، حيث ان التركيز الكلامي على امر، يعني غيابه في الواقع.
اما التحدي الثاني فهو امكانية عودة الروح الى الحياة الاقتصادية اللبنانية، التي تشكل تحديا لاقتصاد اسرائيلي يخطط لان يجعله السلام رب العمل الوحيد، صناعيا وتجاريا، في منطقة الشرق الاوسط. وهذا هو الهدف الرئيسي من السلام الاسرائيلي.
واذا كان باراك قد تعهد بالعمل لاجل «هذا السلام» خلال عام، فانه، وهو المعروف بنظرية »العمل خلف خطوط العدو»، يعرف كيف يبدأ من هنا..
لكن لبنان هذه المرة، ليس مجموعة طائرات، يتم تفجيرها في المطار.. ولا ثلاثة قياديين مناضلين يتم اغتيالهم في بيوتهم.
ولا ذلك الجو المرشح للانفجار الداخلي، بعد بضع عمليات عدوانية، يستغلها بيار الجميل وكميل شمعون، لاستعداء الناس ضد الفلسطينيين والاحزاب التقدمية.. كل هؤلاء ذهبوا.. وجاءت مرحلة جديدة..
مرحلة سقطت فيها مقولة ان «اسرائيل تضربنا لان الفلسطينيين يستعملون ارضنا لتحرير ارضهم».
انها اليوم تضرب لبنان كله، لان لبنانيين يعملون ضدها لتحرير جنوبهم.. ويوفرون بذلك على اهل الخط الوطني، محاججة الانعزال بطرح الواقع القومي..
يضعون على طاولة الواقع، تلك المقولة التي كانت تحتاج الى ساعات من النقاش، مقولة ان خطر اسرائيل، شامل وعام.. لعله – ولسخرية القدر – اقوى عنصر قومي موحد.. اذا كان ثمة امل فيما يوحد..