من شعاب العمل التربوي؟

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 05-02-1999

«ان افضل النظريات التربوية هي تلك التي تنبع من شعاب العمل اليومي».

هذه العبارة البليغة، هي لرجل من اهم خبراء التعليم لدى المنظمة العربية للعلوم والثقافة «الاليسكو».

لكن الواقع ان العمل اليومي، لا يترك لك، وانت تخوضه، فرصة الخروج بنظريات، وان حصل، فان اكثر التربويين فشلا، هم اكثرهم تنظيرا.. لان المعيار الحقيقي، هو الممارسة دون الكلام، حتى ولو كان من شأن الكلام احيانا ان يبهر: يبهر الطلاب الصغار، وهم ما يزالون يؤخذون بالبلاغة، والمصطلحات الغريبة، وقدرات علماء الكلام.. ويبهر جزءا من المعلمين الذين قادتهم المهنة الى عزلة مميتة وراء اسوار المدارس، وعزلة اخرى صادرة عن تكرار ذات »الاسطوانة« سنوات وسنوات.

لكن تلك الممارسة، لا يمكن ان تكون صحيحة، اذا لم تختزن وراءها جوهر النظريات والمفاهيم.

اختزان لا يمكن ان نصفه بانه »تربوي« وكفى.. او ان نقصره على تهويمات او تحليلات، او تطبيقات تربوية وكفى..

صحيح ان التربية والتعليم تخصص، ككل التخصصات، له مجاله، وقوانينه، ومقتضياته.. و.. موضوعيته.

انه تخصص صناعي، لكن خطورته القصوى تكمن في كونه »صناعة الانسان« وذاك ما لا يمكن ان تنطبق عليه قوانين علم صناعة الطائرات، او مواد التنظيف مثلا!..

وهو تخصص زراعي، لكن ثمة دلالة في ان مغامرة العقل الاولى – الاسطورة – جعلت من الارض، »الام الكبرى« لا الطفل.

انه تخصص، قد يتمايز وصفا بين مواده، لكنه يتماثل عندما يتعلق الامر بالاداء..

وهو في كل الاحوال، قصور، وجمود، اذا لم تكن مسارب التفاعل مع خارج الاسوار، مع المجتمع اللامحدود القضايا والحالات، مع الحياة، التي نسيت ايقاع »السير« لا لتتبنى ايقاع الركض، وانما القفز.

دون ان يعني ذلك ابدا التخلي عن الاسس، والقواعد والجذور وانما اتباع مثال الشجرة، التي كلما امتدت جذورها في العمق امتدت فروعها في الفضاء.. امتداد لا يتأمن بصورته الفضلى الا بالتقليم والتقليم القاسي غالبا..

هل ناقضت نفسي عندما بدأت بالدعوة الى نتاج شعاب العمل اليومي، ثم انتقلت الى امور نظرية؟

لا.. لانني في الواقع لا اؤسس لمقال، وانما لسلسلة مقالات سأخصص لها يوم السبت، من زاويتي، واودعها مواقف عملية في تجربتي التربوية الطويلة التي امتدت ستة عشر عاما، انتهت قبل ست سنوات.

طالما فكرت بان اكتبها، لكنني كنت اشعر، بان مسافة ما من البعد، هي ضرورية لرؤية اكثر موضوعية وهدوءا.

الى ان دعتني احدى المدارس قبل ايام، لالقاء محاضرة على طلابها، لاكتشف، ان الكثير من المشاكل لم تتغير، وان بعض ما كنا ننبه اليه من سلبيات، قد افرز نتائجه الان في صفوف الشباب.. ولاكتشف بالمقابل، ما زاد يقيني فيما طالما آمنت به، وهو وجود ايجابيات كثيرة لدى الاجيال الشابة، لم تكن لنا ونحن في سنهم، وليست لنا الان..

لاعود من جديد الى الوقوف في تلك النقطة المحورية المتوسطة، بين المدرسة، الاهل، والطلاب.

ولتعود بي قضايا ومواقف عميقة بعيدة الدلالة.. سأعرض لها تباعا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون