تحية لعروبة ماليزيا، فقد اثبتت صحة المثل الشعبي الذي يقول ان »الدم ما بيصير ماء«!!
ويحتج علي قائل بأنني لا افهم في التحليل السياسي، لادرك ان الموقف الماليزي في مجلس الامن اول امس، لا يصدر عن العروبة ولا علاقة له بالدم، وانما هو نابع من التقاء المصالح، ووحدة الخطر، سواء بالنسبة لاكثر دول آسيا، ام بالنسبة لروسيا.
ولكن هل يحتاج الامر لعبقرية التحليل السياسي ليدرك المرء ان هناك التقاء مصالح عربية – عربية، تشبه اللقاء الاسيوي – العربي، في اضعف الايمان… وان هناك وحده خطر يتهدد هذا العالم العربي المستلقية اشلاؤه في كل الاتجاهات.
ويعود »المحتج« ليفهمني بأن واقع التجزئة وطوارىء الاحداث، جعلت المصالح العربية لا تلتقي، بل وتتضارب.. فها هم خبراء الاقتصاد النفطي يفهموننا بأن رفع الحظر النفطي عن العراق يصب في صالح الخزينة الفرنسية، لكنه يتناقض ومصلحة اكثر الدول الخليجية التي تصرخ من انخفاض سعر النفط، وتأثير ذلك على مبيعاتها، وحاجتها وديونها التي تراكمت، وتتصاعد كل يوم.
وها هو الرئيس المصري يعترف بصراحة ان القضية بالنسبة له »حسبة«، فماذا يفعل بعماله الذين في الخليج، اذا وقف ضد ضرب العراق او مع رفع الحصار عنه.. وما لم يقله: كيف يمكنه ان يغضب الاميركيين وصندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية وهو الذي يقف بين سندان العجز الاقتصادي ومطرقتي الديموغرافيا والارهاب.
كاشبه ما تكون وقفة سوريا بين سندان اسرائيل، ومطرقة تركيا، وفزاعة الحل اللبناني المنفرد.. و»اكلت يوم اكل الثور الابيض«.
وتطول القائمة.. تطول.. وبلا طول سيرة مزعجة، تقول كلها ان نتائج الشرذمة والارتهان، والاخطاء التاريخية المرعبة، جعلت مصالح الاقطار العربية تتضارب بشأن الموضوع العراقي كما بشأن سواه.
ويبرز السؤال المصيري:
هل يمكن ان تتناقض المصالح داخل الامة الواحدة؟
اجل عندما تكون استراتيجيات حكامها اقصر من انوفهم، وعندما تصبح الحالات المرضية هي المعيار والاساس.
فلو لم يكن النفط مرتهنا مثلا، لما تحكم المبتز بسعره، فتحول من سلاح معنا الى سلاح ضدنا، ولما اصبح النفط العراقي خطرا على السعودي او سواه مثلا.
ولو كانت مصلحة الامة، في مداها البعيد، في حريتها، واستقلاليتها، وكرامتها، هي الهدف لما اختلف عليه اثنان.
لو كان بقاؤها هو الرهان، لظل واحدا، ولكن متى اصبح بقاء انظمتها هو الرهان، اصبح اثنين وعشرين، وتضارب بعضها مع بعض.
لو كان الشعب هو الوجود، والانسان هو القيمة لما تجرأ المندوب الانكليزي على الحديث عن حماية العراقيين، حديثا يحتقر العقل والكرامة معا.
ولو كان للغبي ان يعتبر، لفهمنا ان التركيز منذ اسابيع على عدم قدرة المعارضة العراقية على اسقاط النظام لم يكن الا مقدمة لاعلان تشكيل ما اسموه اليوم »جيش تحرير العراق«.
ولفهمنا ان ذلك يعني اعلان الحرب الاهلية بشكل رسمي..
ولسألنا: من الذي سيدفع الثمن؟