لمس المحرمات

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 05-02-1999

(حملت الانباء ان اللوبي اليهودي نجح في منع مشاركة روجيه غارودي في ندوة تعقد في لندن حول الشرق الاوسط والادنى)

خمسون سنة والغرب كله يعترف بروجيه غارودي كواحد من ابرز مفكريه، كاثوليكي، يرتد على الكثلكة ويصدر كتابا يدين فيه روما والبابوية ماركسي يرتد على الماركسية ويكتب مدينا لها مسلم يدافع عن عظمة الاسلام، ويدين الانحطاط الذي الم به.. عشرات الكتب والمواقف ودور النشر تتسابق على اسم مفكر كبير لا يضيره ان يبدل اراءه ومواقفه او ليس الرجل فرنسيا اوروبيا غربيا.

اوليست بلاده ام الحريات واوروبا كلها سادنة الايمان بحرية الرأي والمعتقد والتعبير؟

او ليس الغرب ذلك العقلاني المؤمن بالحجة والمنطق والوثيقة والدليل، بحقائق العلم ايا يكون مجاله: العلوم الانسانية او التطبيقية؟

لكن خطوة واحدة تمتد فيها يد الفيلسوف المفكر لتلامس (تابوها) مطلقا واحدا وتنهار كل المسلمات والقيم.

من كتاب (قضية اسرائيل) الى (الاساطير المؤسسة للسياسة الصهيونية) ويدخل غارودي حلقة من يطلق عليهم اسم (المراجعين) او (المدققين) هؤلاء المؤرخون المناضلون بشراسة علي جبهتين: جبهة البحث العلمي الدقيق الموقف والمبرهن وجبهة مواجهة اللوبيهات اليهودية التي لا تسمح لاحد لان يتعرض للحصن الكبير الذي عملت جاهدة على بنائه منذ الحرب العالمية الثانية لان يغلق الفتحة التي ثبتتها في خاصرة اوروبا عموما وفرنسا والمانيا خصوصا كي تستنزف منها دمها تماما كما كان يفعل اليهود التقليديون لعجن خبز عيدهم بدم انساني.

اجل فعقدة الذنب التي بنتها الدعاية الصهيونية بعناية عبر الاعلام والفن والتربية والتعليم والتاريخ بمهارة سيكولوجية فائقة هي الضمانة الاهم لاستمرار الابتزاز السياسي والاقتصادي والانساني الذي كان اهم اسباب نجاح اقامة دولة اسرائيل وبقائها واهم مستندات السيطرة اليهودية على مقدرات الدول الغربية.

لذلك فان من يتعرض لها هو اشبه بمن يزلزل احد اعمدة الهيكل ولا بد ان تكون شراسة العقاب على مستوى من العنف يتناسب وحجم التهديد، وحجم الخسارة الممكنة خاصة عندما تكون حقائق التاريخ والعلم كلها في صف الخصم فمن لم يكن ممكنا اسكاته بالحجة يصبح العنف هو الوسيلة الوحيدة لاخراسه.

قبل غارودي كان راسينيه وكان فوريسون وكان شوامسكي وكان ماتيونو ومعهم جميعا كان بيير غييوم وكلهم لاقوا الاضطهاد ذاته والشراسة ذاتها.

عنف وشراسة نراهما يشتدان كلما اشتد سطوح الحقائق التاريخية التي تكذب ما تبناه اليهود كمسلمات.

ولعل احد المؤشرات الواضحة على ذلك يتبدى عبر المقارنة بين قراري المحكمة بادانة البروفيسور روبرت فوريسون عام 1981 وروجيه غارودي عام 1998.

فرغم ان كتاب فوريسون هو بحث علمي دقيق يبرهن كذب افران الغاز واسطورة المحرقة فان قرار المحكمة يومها لم يتضمن اشارة الى صحة هذه البراهين.

وعندما شهد تيار (المراجعة) التاريخية نموا واضحا بعد ذلك عمل اللوبي اليهودي بشكل مستميت على اقرار قانون (غايسو) الذي يحرم التعرض لنتائج نورنمبرغ.

لكن هذا التشريع الذي اعتبر حكم الاعدام القطعي على خط (المدققين) كان منفذا لقضاة غارودي كي يوضحوا انهم يصدرون حكمهم عليه بالتغريم تطبيقا للقانون دون ان ينكروا صحة الجوهر التاريخي للنص المدقق.

هنا ثمة اعتراف ضمني بصحة المادة العلمية التاريخية مما يعني ضمنا تطورا ملموسا هاما بل ومما يفضي منطقيا في الدرجة اللاحقة الى الاقرار بضرورة الغاء قانون يقمع الحقيقة ومن ثم الى انتصار الحقيقة ذاتها.. انتصارا يشكل رعبا يفسر اشتداد العسف والعنف ويفسر كل الخطوات التفصيلية من مثل منع غارودي من المشاركة في ندوة لندن.

ويطرح علينا السؤال نحن الذين نشترك في المصلحة والمعركة، ماذا علينا ان نفعل؟ ليس لغارودي وحده تأثرا بموقفه الجريء من الاسلام وانما لتيار المدققين كله؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون